مذكرات مبتعث (4) صدمة حضارية

October 18th, 2010, 06:00 AM

كنت أسمعها قبل أن أسافر .. صدمة حضارية .. كل مبتعث حس .. تكلم .. "شاف" .. شيء يعبر عن صدمة حضارية .. كنت أتساءل ما هي الصدمة التي ستصعقني .. ستقتلعني .. ستبهرني في كندا .. لحظتها لم أستطع التمييز بين صدمة حضارية .. أو تغير بين مكانين.. نزلت في مطار فانكوفر وأنا أترقب الصدمة الحضارية متى .. أين .. كيف ستأتي؟!

كل شيء كان طبيعي .. وكما يقول المثل "خلك طبيعي" .. هكذا استمريت طبيعي حتى ركبت التاكسي .. وكل مبتعث يبدأ أيامه الأولى بالمقارنة بين مدينته وبين مدينة الدراسة .. أنظر في الأجواء .. صحيح الجو شوي متغير عن الرياض .. شمس وغيم وشوارع خضراء وأنهار تجري.. ما فيه فرق عن الرياض إلا في "العج" الذي افتقدنا مذاقه .. وباصات خط البلدة .. وطعوس الثمامة .. والجبال التي كنت أظنها جبال سوداء بسبب البراكين القديمة حتى اقتربت ووجدتها جبال تكسوها الأشجار من القمة إلى الشارع الذي أمشي فيه ..الأجواء المناخية لا تسبب صدمة حضارة وإن كان التغير كبير فنحن لا نلوم بلادنا على "الحر والعج"..

بعد الأسبوع الأول تكشفت بعض معالم الصدمة .. أول ما يظهر للمبتعث الاختلافات الظاهرية .. الحصة الدراسية والعلاقة بينك وبين المدرس/ة .. الاشتراك مع الطالبات في حل الواجبات والتطبيقات .. تجلس في الفصل بجوار طالبة سعودية كاشفة الوجه أو متنقبة .. لباس فضفاض وساتر .. أو في حالات "جنز ضيق" .. صدمة! .. مع الزمن .. يتكشف أن الفتاة السعودية أفضل دراسياً منا نحن الشباب .. وأحرص على دينها وأخلاقها وسمعتها .. وإن كان هناك حالات شاذة .. ربما سأتحدث عن بعضها ..

أنظمة المرور .. تقيد السائقين والمشاة بها شيء جديد على المبتعث .. رقابة داخلية .. من غير "ساهر" ولا "غافي" .. حتى الأطفال الصغار مُعلَّمون .. أذكر عندما وصل أبنائي إلى فانكوفر .. عانيت في شرح متى يمشون أو يقفون عند الإشارة .. "ومن شابه أباه فما ظلم" .. حتى استطعنا أن نفهمهم عدا "فهد" .. غير مقتنع بالنظام الجديد .. يبدو أن الجينات الوراثية له دور هنا .. مضت أسابيع ونحن نوزِّع المهمة من يمسك بيده في الشارع حتى فوضنا المهمة بالكامل لخالد الذي اشتكى من شيب الرأس بعد عدة أيام..

وسائل النقل العامة تشد انتباه المبتعث.. رخيصة .. آمنة .. مريحة .. سريعة .. دقيقة المواعيد.. حتى التاكسي والذي يسمى عندنا "كاب" تتصل عليه وفي دقائق قليلة جدا يقف عندك ولا يحتاج " تكاسر" السائق لأن كل شيء يسير بالتقنية .. عندما تركب التاكسي تشاهد أجهزة جديدة عليك .. وبين الحين والآخر يتواصل السائق مع شركته وكأنك راكب في سيارة شرطة .. يعطيهم معلومات.. ويأخذ منهم أوامر .. وكل السائقين متقيدين بالأنظمة .. عدا سائق هندي اتصلت عليه مرة ومعي أغراض .. توقف في منتصف الشارع والسيارات متوقفة خلفه .. وبعد الشحن لم يستطع إغلاق" شنطة" السيارة .. قال خليها كذا .. طلب منى الركوب ولم يبالي .. العجيب .. لا أحد يضرب " بوري" له حتى وهو مخطئ ..

في إحدى الليالي وصلت لمحطة الباص متأخراً .. فلا توجد باصات الآن في هذه المحطة .. التفتت وجدت تاكسي واقفة تنتظر .. لأن السائق متوقع حاجة الناس له في هذه المحطة .. ذهبت إليه .. وركبت مباشرة .. كانت الحادثة في الأسابيع الأولى من وصولي .. سألني عن العنوان الذي أريد قلت: أنا أعرف مكان البيت .. ولا أحفظ العنوان .. وبلغة مكسرة جدا .. فهم السائق وتحرك ..كلي أمل أن أصل بسلام .. فهذه أول مرة أذهب إلى البيت بسيارة .. حسيت أني ضعت ولم أعرف المكان .. الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل ..سأل السائق أين اتجه .. قلت من هنا .. ومن هذا الشارع .. حتى وصلت إلى قناعة أنني ضعت .. قلت للسائق .. أنا لا أعرف المكان .. نظر لي بنظرة غضب وتوقف على جانب الشارع .. توقعت أنني سأطرد شر طردة .. لكن يبدو أنه رحمني .. قال أعطني أي شارع قريب .. وأنا لا أضبط الاسم .. عددت بعض الأسماء وقال مافيه شارع في فانكوفر بهذا الاسم .. احترت وأحرجت من طيبة الرجل.. أخذت أعدد بعض الأسماء لعلها تصيب .. قال ربما هذا الاسم يكون صحيح .. اتجه للشارع وعرفته تماما ثم وصلت إلى البيت بعد عناء ..بعدها لا أتحرك إلا ومعي ورقة فيها عنوان السكن ..

وسائل الإعلام عندهم قد تسبب صدمه في بعض جوانبها .. الجرائد توزع بالمجان في الأماكن العامة .. وفي محطات السكاي ترين .. تجد الواحد منهم قبل يركب في القطار يأخذ واحدة .. يقرأ ويقلب في صفحاتها .. فإذا نزل .. اتجه إلى صندوق أخضر مخصص للجرائد بعد قراءتها .. هؤلاء القوم يقرؤون بنهم.. في كل مكان .. الكبير والصغير .. حتى الهوملس .. تجده يقرأ قبل أن ينام في الشارع ..

عوداً على وسائل الإعلام .. تتعجب من تقسيمها على الإعمار .. حتى قنوات الأطفال موزعة باعتبار السن .. قنوات للأطفال الصغار .. وقنوات لمن هم فوق 14 سنة وقد تجد قناة رسوم متحركة لمن هم فوق 18 سنة .. عندهم قناة " تري هاوس" قناة تعليمية تربوية للأطفال .. ليس فيها مشاهد خادشة أو حديث عن أديان ومعتقدات .. إنما تعتمد على تنمية تفكير الطفل .. ابني مهند من المحبين لها .. يشاهدها ويسكتنا أحيانا إن أزعجناه وهو يشاهد برنامجه المفضل "تياقو" .. ذات صباح ومن غير سابق إنذار وجد الشباك مفتوح .. أخذ ينظر في "اللي رايح واللي جاي" .. السيارات تسير بهدوء .. وهو يصرخ "
“ Help me” “ Help me” “ Help me”
أنقذوني .. أنقذوني .. أنقذوني
الطفل هنا لو يشتكي على والديه" يروحو في ستين داهية" أتت أمه مسرعة لتنزله وتغلق الشباك .. سألته: ليش تصيح كذا .. قال : أنا شفت الرسوم يفتحون "الدريشة" ويقولون كذا
صاحبنا لا يعرف ما معنى الكلمة إنما تأثر في حياة الرسوم الغربية
ذكرت الموقف بعد فترة لأصدقاء كنديين .. أحدهم وضع كفيه على وجهه ويـتأوه من الموقف .. واكتفى بقول: أنت محظوظ ..

مواقف في الفصل الدراسي .. موضوعنا القادم إن شاء الله..

• نشر عبر تويتر
• نشر عبر فيسبوك
• نشر عبر جوجل