-2 –
الطائرة غداً ، والحقيبة قد تمّ اختيارها بعناية فائقة ، تشي باستحضار واضح لذاك الزمن الجميل ( شكلاً ولوناً ) !
لم يتبقّ غير إنهاك الجسد بالسهر الممرض ؛ لأستقبلَ أمريكا بعدها بالشباب والنشاط والوجوم !
استلقى على سريره يُراود النوم لعين تسبح فيها الصور الجميلة !
من كابوس جميل تذكر صوره القديمة إبان دراسته بفيرجينيا ؛ والتي كانت نائمةً في ركن دافئ أسفل منزله !
لقد جاء الآن دورها ، وكما أتت من هناك ؛ فإنّها ستعود إلى هناك ؛ إذْ لها حق زيارة بلد المنشأ والميلاد !
قفز من سريره متجهاً إلى مكتبته ، ثم إلى درج هو أشبه بأرشيف العمر كله : فتَحه ، ثمّ مدّ يده لاستلام عُهدة الصبا منه !
تتردد أنامله كما لو كان جديداً على الحياة .. وترتجف كما لو كانت لصغيرٍ يتحسس الأشياء المخيفة !
ببطء وجمود ؛ استخرج " الألبوم الأزرق " الذي حوى سني المطر ، ونكهة الغفلة ، وتأوهَ المُشتاق !
بدأ قلبه ينبض ، وشعره يقف ، وجسمه يتخدر ؛ فيما أنّ يده اليمنى تفتح – مع رجفةٍ بسيطة – أول صفحةٍ مصوّرة من حديث الذكريات البعيد !
أوّل صورة كانت في الجهة اليمنى من أعلى الألبوم مميزة جداً : إذ خضرة تتوسطها زُرقة !
نعم ؛ هذا المرحوم " تركي " دالعاً لسانه لي وأنا أصوره وسط حديقة منزلنا !
الصورة التي بجوارها : أنا ، وعبدالإله ، وناصر – فيما المصوّر هو " تركي " رحمه الله – والمكان أيضاً : حديقة منزلنا !
الصورة الثالثة لصديقنا الأمريكي " جاك " وهو يبتسم فيها ، وقبلها كان ينصحنا بالابتسام للكاميرا ، ويستفسر منّا قائلاً : لم تتجهمون في الصور ؟ هل سترسلونها مع ورقة تهديد ؟!
آه ، أذكر كل هذا ، وأذكر الصورة التي تليها ؛ فهي للمجموعة نفسها عند شلالات " نياغرا " في كندا ، بعد أن طلقنا دراستنا لمدة قد تجاوزت الأسبوعين بغرض السياحة !
تركي – رحمه الله – في الصورة الخامسة يقوم بحركة بهلوانية !
الصورة السادسة لها ذكريات رهيبة ؛ كانت بعد أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران ، وواجهتنا بعض المضايقات بعدها ؛ لأنهم كانوا يحسبوننا إيرانيين !
الصورة السابعة ( لها ) ولا بدّ من ابتلاع الريق !
الثامنة .. التاسعة .. العاشرة .. الخامسة والثلاثون .. أوه كفى !
يتبع ..
ـــــــــــــــــــــــــ
أنّة : " يا جمرة الشوق الخفي ... نسيت أنا وجرحك وفي " !!
January 9th, 2011, 11:42 AM
· قصة قصيرة / مُتخيلة .
" بعد ثلاثين سنة : عاد إلى جامعة فيرجينيا : ليطلب فيها القلب " !
سنون توالت : تزيده جهةً ، وتَنْقُصُه أخرى !
فجأة ؛ نبض القلب حنيناً لما قد ظنّه مرحلة ، فإذا به تكوين !
جاءه ابنه الشاب يستأذنه " الابتعاث " ، وهي الكلمة التي يعرفها جيداً ، بل قد عايشها بتقدير امتياز ؛ ليسأل نفسه بدوره : وأنا ممن سأستأذنُ ؟! وأنا ما الذي يمنعني منه !
1976 : تلتها خمس سنوات ؛ كانت هي الفيلم السينمائي الجميل الذي تداعى أمام نظر صاحبنا - كما لو كان ومض إغراءٍ سريع : أعاد في لمعته نسائمَ الربيع ، ونزق الشباب ؛ وذكريات الصبا ؛ ليقطع حالاً تسلسله ، ويزم فوراً حلقته : خوفاً بذلك على الفيلم اللذيذ من الاحتراق الذاتي في معمل الذهن ، وليُعلن بدوره قائلاً : وأنا أيضاً ؛ سأبتعث نفسي !
في الصباح التالي كان عند السفارة الأمريكية . وبعد أسبوع وجد نفسهُ أمام المقابلة الشخصيّة لموظفة السفارة ؛ تسأله سؤالها المُعتاد والرتيب : ما سبب رغبتك السفر لـ USA ؟
أجابها على الفور : الحنين !
سألته بصيغة أخرى : السياحة ؟!
ساعدَها في عملها ، وقال : السياحة !
جاءته " الفيزا " ولم يفرح بها ؛ فهو أصلاً قد ذهب ليحزن ؛ ولكنّه حزنٌ لذيذ ممتع ؛ بل هو آخر الأحزان اللذيذة المُمتعة الشيّقة !
قرّر بعدها ألاّ يتدخل بشيءٍ في هذا النص الغيبي ، غير واحدة : السفر من الرياض وعلى الخطوط الجوية السعودية ؛ إذْ أنّ استوديوهات " دبي " و " الدوحة " لم تكن موجودة في ذلكم الفيلم القديم / العزيز !
شيءٌ آخر تمنىّ التدخل به ولم يُفلح ؛ إنها ملابسه في السبعينيات ... ولكنّها غير موجودة الآن !
حسناً ؛ سألبس قميصاً ذا لون " بُني " ، كذاك الذي قد سافرتُ به في " نوفمبر 1976 " !
كما وسألبس بنطالاً واسعاً ؛ مثل ذاك البنطال الذي كان موضة ذلك العصر الرومانسي !
سأفتح القميص إلى متصف الصدر - كما كنتُ أفعل أيّان الشباب - وسأفرق شعري نحو اليسار ؛ فإني أنا " المجنون " الجديد !
لن أذهب مباشرةً إلى المطار إلاّ بعد أن أمرّ بشوارع الرياض القديمة ( الوزير – الخزّان – الثميري ) !
هذا ما بوسعي أن أفعله لإخراج فيلم " الحنين " !
وأمّا البقية فسأتركها للمجهول !
يتبع ..