November 22nd, 2011, 02:25 PM
(1)
بعيدا عن بلداننا، نصبح نقطة في بحر
لا نعرف أحد..
ولا يعرفنا أحد
كنا سابقا بين معارفنا، لنا حضورنا، هيلماننا، و أحيانا جبروتنا
البعض منا كان موظفا له حضوره في العمل،
والبعض كان طالبا له حضوره في المدرسة،
والبعض لا هذا و لا ذاك، و رغم ذلك كان له حضوره في مجتمعه الخاص
(2)
هنا.. نبدأ من الصفر.
هنا، شيء اشبه بالضياع، لكنه ليس الضياع
هنا، توهان ما بين الشوارع و الأزقة و الحدائق رغم أن الخريطة واضحة كل الوضوح أمامنا
هنا، اضطراب مابين مشاعرنا الحقيقة، وما هو محظور عرفا علينا.
تلفزيون "مشوش" ما بين الواقع، وبين ما تعلمناه
بين العادات و التقاليد،
بين الانغلاق و بين الحرية في ممارسة أي نوع من الانغلاق
حيث الحدود، هي ما نضعها نحن، ما نصنعها نحن، و ليس ما يكبلنا بها قانون عرفي و عادات و تقاليد
كما أنه .. ليس ما يضعه لنا الدين
بل ما نحن فهمناه حقا من الدين، و من التعامل و من الأخلاقيات
وما فهمناه أيضا من المغزى الحقيقي لوجودنا في هذه الحياة.
ومن كل دروس الفقه و الحديث و التفسير و من قراءة القرآن.
(3)
هنا.. كل شيء متاح..
و بمعنى آخر - مقارنة بما تعلمناه- يعني أنه "لا يوجد شيء اسمه حرام".
هنا، نحاول أن نكون الأقوى، على الأقل بيننا و بين أنفسنا..
نحاول أن نثبت لمن حولنا أن كل شيء تحت سيطرتنا
و أننا أتينا من بلدان هي التي علمت أهل أمريكا و أوروبا معنى التطور والحضارة و الحرية و احترام الإنسان
و بما أن فضلنا عليهم،
يحق لنا النظر من الأعلى عليهم.
بينما نحن.. بداخلنا.. أشبه بمدينة اجتاحها إعصار، فدمر ما دمر بها.
(4)
بمجرد دخولنا إلى قاعة الدرس، حيث الكلمات الجديدة،
..حيث اللغة الجديدة..
يتقلص ذلك المارد الضخم بداخلنا و نصبح كالأطفال،
نصبح نحن الحلقة الأضعف بين المجموعة.
بمجرد أن يسألنا الآخر: انتم الأفضل بماذا؟ تبدأ الأيونات بداخلنا بالتصادم للبحث عن إجابة مقنعة
نحن الأفضل لأننا تعلمنا من الصغر جملة "أننا الأفضل". إن اقتنع بالإجابة فهذا واجب عليه، و إن لم يقتنع فلأنه "أحمق"
في نهاية المطاف، نحن الأفضل!
نهرب من الإجابة بيننا وبين أنفسنا، الأفضل بماذا، و نحن قد أضعنا المكان والزمان
و نستمر بالتوهان.
(5)
الموقف الأصعب، عندما لا نستطيع الاعتراف لأحد من حولنا أننا نعاني الحيرة، نعاني الضياع، نعاني الألم، نعاني الشوق، و نحتاج إلى البكاء
حتى البكاء محرم علينا رغم أن هذا المجتمع يفتح باب "الحرية الشخصية " على مصراعيها.
قيدتنا أفكار سابقة، و عادات و تقاليد، و ثقافة العيب
(6)
البكاء عيب
و الاعتراف بالضعف
الاعتراف بتشعب الطرق
الاعتراف بالتوهان..
يعني هبوط الإنسان من القمة إلى القاعة
(7)
اعتراف صديق لك أنه يشعر كما يشعر طفل في السابعة من عمره..
.. ضاع في باحة الحرم الواسعة و أفلتته "سهوا" يد والدته..
سوف يجعلك تنتفخ و "تستأسد" و تبدأ بإلقاء نصائحك المملة عليه و بث نوع من الأشعة الخفية إلى فكره كي يعتقد أن كل الأمور معك تسير على أفضل ما يرام ..
..و أنك لم تعرف يوما طعما للغربة والاغتراب..
بينما أنت في كل مرة تذهب بها إلى الحرم، منذ عمر الرابعة حتى بلغت العاشرة، و أنت تكرر تجربة الضياع فلا تتعلم و لا تستفيد،
و في كل مرة..
تصرخ و تبكي عند الشرطي الذي يقودك من يدك بكل حنان،
و تبلل ثيابك من كثر التعرق و الدموع
و تصرخ و تنحب حتى لا يكاد الشرطي يفهم منك حرفا واحدا بل و ربما يعتقد أنك آت من منطقة لا تتحدث باللغة العربية و ذلك من كثرة العويل و تداخل الكلمات.
و الآن، أنت أيضا تعاني مثل صديقك، بل و ربما أكثر ،
لكنك لا تستطيع البكاء،
و يقيدك العمر..و الأعراف، و الأفكار.. و كذلك تصادم الأيونات
لكنك لا تعترف له بذلك، خوفا من تكرار تجربة إلقاء المحاضرات التي ألقيتها بالتو عليه.
خوفا من أن يفهم الطرف الآخر أنك أنت أيضا ضعيف
خوفا مما مارسته من قبل على الآخرين..
..خوفا من "السخرية والاستهزاء"
(8)
إن اقصى ما يمكن قوله لعائلتنا عندما نتحدث معهم هاتفيا، أننا نعاني حمى الشوق إليهم،
أحن إلى مزاح أختي، و مساندة أخي، و طبخ والدتي، و اهتمام والدي.
بينما الحقيقة غير ذلك.
بودنا أن نصرخ بكل ما يجتاحنا من ألم..
لماذا أحكمتم الغطاء !
لماذا الحماية المفرطة..
التي أعادتنا سنوات إلى الوراء..
فجعلت منا أطفال بؤساء،
و بظاهرنا.. شباب أقوياء!
(9)
بعض الشوق إليهم،
و اغلب الشوق لمعرفة من نحن في هذه الحياة.
(10)
حتى لوالدتنا التي تعودنا أنها دائما "جهاز الاستقبال" لا نستطيع القول أننا في متاهة،
و أننا نحتاج لمن يقودنا،
و أننا متخفوفون من الطريق،
و أننا في كل ليلة نحاول النوم سريعا هربا من التفكير بواقعنا ،
ننام و غصة البكاء مابين الشهيق و الزفير، لا هي تخرج فتريحنا و لا هي تتلاشى.
ننام و نتمنى أن يأتي الغد و نحن – كما في الأفلام.. أو الأحلام- الحوت الكبيرة في هذا المحيط الهاديء، نلتهم الأسماك الصغيرة، ونخيف السفن، و نشد الأنظار ،
و نتحول من نقطة في بحر، إلى بحر يحتوي كل النقاط.
(11)
نحن نخاف من كلمة "الفشل"
لأننا "تعودنا" على أن الفشل لا يعني اكتساب خبرة..
الفشل يعني النهاية.
الفشل يعني وجوب العودة..
الفشل يعني تحريم معاودة التجربة.
ونستمر ككوكب تائه يسبح في الفضاء.
"بشت أوكلاند"
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011
November 22nd, 2011, 02:25 PM
(1)بعيدا عن بلداننا، نصبح نقطة في بحر
لا نعرف أحد..
ولا يعرفنا أحد
كنا سابقا بين معارفنا، لنا حضورنا، هيلماننا، و أحيانا جبروتنا
البعض منا كان موظفا له حضوره في العمل،
والبعض كان طالبا له حضوره في المدرسة،
والبعض لا هذا و لا ذاك، و رغم ذلك كان له حضوره في مجتمعه الخاص
(2)
هنا.. نبدأ من الصفر.
هنا، شيء اشبه بالضياع، لكنه ليس الضياع
هنا، توهان ما بين الشوارع و الأزقة و الحدائق رغم أن الخريطة واضحة كل الوضوح أمامنا
هنا، اضطراب مابين مشاعرنا الحقيقة، وما هو محظور عرفا علينا.
تلفزيون "مشوش" ما بين الواقع، وبين ما تعلمناه
بين العادات و التقاليد،
بين الانغلاق و بين الحرية في ممارسة أي نوع من الانغلاق
حيث الحدود، هي ما نضعها نحن، ما نصنعها نحن، و ليس ما يكبلنا بها قانون عرفي و عادات و تقاليد
كما أنه .. ليس ما يضعه لنا الدين
بل ما نحن فهمناه حقا من الدين، و من التعامل و من الأخلاقيات
وما فهمناه أيضا من المغزى الحقيقي لوجودنا في هذه الحياة.
ومن كل دروس الفقه و الحديث و التفسير و من قراءة القرآن.
(3)
هنا.. كل شيء متاح..
و بمعنى آخر - مقارنة بما تعلمناه- يعني أنه "لا يوجد شيء اسمه حرام".
هنا، نحاول أن نكون الأقوى، على الأقل بيننا و بين أنفسنا..
نحاول أن نثبت لمن حولنا أن كل شيء تحت سيطرتنا
و أننا أتينا من بلدان هي التي علمت أهل أمريكا و أوروبا معنى التطور والحضارة و الحرية و احترام الإنسان
و بما أن فضلنا عليهم،
يحق لنا النظر من الأعلى عليهم.
بينما نحن.. بداخلنا.. أشبه بمدينة اجتاحها إعصار، فدمر ما دمر بها.
(4)
بمجرد دخولنا إلى قاعة الدرس، حيث الكلمات الجديدة،
..حيث اللغة الجديدة..
يتقلص ذلك المارد الضخم بداخلنا و نصبح كالأطفال،
نصبح نحن الحلقة الأضعف بين المجموعة.
بمجرد أن يسألنا الآخر: انتم الأفضل بماذا؟ تبدأ الأيونات بداخلنا بالتصادم للبحث عن إجابة مقنعة
نحن الأفضل لأننا تعلمنا من الصغر جملة "أننا الأفضل". إن اقتنع بالإجابة فهذا واجب عليه، و إن لم يقتنع فلأنه "أحمق"
في نهاية المطاف، نحن الأفضل!
نهرب من الإجابة بيننا وبين أنفسنا، الأفضل بماذا، و نحن قد أضعنا المكان والزمان
و نستمر بالتوهان.
(5)
الموقف الأصعب، عندما لا نستطيع الاعتراف لأحد من حولنا أننا نعاني الحيرة، نعاني الضياع، نعاني الألم، نعاني الشوق، و نحتاج إلى البكاء
حتى البكاء محرم علينا رغم أن هذا المجتمع يفتح باب "الحرية الشخصية " على مصراعيها.
قيدتنا أفكار سابقة، و عادات و تقاليد، و ثقافة العيب
(6)
البكاء عيب
و الاعتراف بالضعف
الاعتراف بتشعب الطرق
الاعتراف بالتوهان..
يعني هبوط الإنسان من القمة إلى القاعة
(7)
اعتراف صديق لك أنه يشعر كما يشعر طفل في السابعة من عمره..
.. ضاع في باحة الحرم الواسعة و أفلتته "سهوا" يد والدته..
سوف يجعلك تنتفخ و "تستأسد" و تبدأ بإلقاء نصائحك المملة عليه و بث نوع من الأشعة الخفية إلى فكره كي يعتقد أن كل الأمور معك تسير على أفضل ما يرام ..
..و أنك لم تعرف يوما طعما للغربة والاغتراب..
بينما أنت في كل مرة تذهب بها إلى الحرم، منذ عمر الرابعة حتى بلغت العاشرة، و أنت تكرر تجربة الضياع فلا تتعلم و لا تستفيد،
و في كل مرة..
تصرخ و تبكي عند الشرطي الذي يقودك من يدك بكل حنان،
و تبلل ثيابك من كثر التعرق و الدموع
و تصرخ و تنحب حتى لا يكاد الشرطي يفهم منك حرفا واحدا بل و ربما يعتقد أنك آت من منطقة لا تتحدث باللغة العربية و ذلك من كثرة العويل و تداخل الكلمات.
و الآن، أنت أيضا تعاني مثل صديقك، بل و ربما أكثر ،
لكنك لا تستطيع البكاء،
و يقيدك العمر..و الأعراف، و الأفكار.. و كذلك تصادم الأيونات
لكنك لا تعترف له بذلك، خوفا من تكرار تجربة إلقاء المحاضرات التي ألقيتها بالتو عليه.
خوفا من أن يفهم الطرف الآخر أنك أنت أيضا ضعيف
خوفا مما مارسته من قبل على الآخرين..
..خوفا من "السخرية والاستهزاء"
(8)
إن اقصى ما يمكن قوله لعائلتنا عندما نتحدث معهم هاتفيا، أننا نعاني حمى الشوق إليهم،
أحن إلى مزاح أختي، و مساندة أخي، و طبخ والدتي، و اهتمام والدي.
بينما الحقيقة غير ذلك.
بودنا أن نصرخ بكل ما يجتاحنا من ألم..
لماذا أحكمتم الغطاء !
لماذا الحماية المفرطة..
التي أعادتنا سنوات إلى الوراء..
فجعلت منا أطفال بؤساء،
و بظاهرنا.. شباب أقوياء!
(9)
بعض الشوق إليهم،
و اغلب الشوق لمعرفة من نحن في هذه الحياة.
(10)
حتى لوالدتنا التي تعودنا أنها دائما "جهاز الاستقبال" لا نستطيع القول أننا في متاهة،
و أننا نحتاج لمن يقودنا،
و أننا متخفوفون من الطريق،
و أننا في كل ليلة نحاول النوم سريعا هربا من التفكير بواقعنا ،
ننام و غصة البكاء مابين الشهيق و الزفير، لا هي تخرج فتريحنا و لا هي تتلاشى.
ننام و نتمنى أن يأتي الغد و نحن – كما في الأفلام.. أو الأحلام- الحوت الكبيرة في هذا المحيط الهاديء، نلتهم الأسماك الصغيرة، ونخيف السفن، و نشد الأنظار ،
و نتحول من نقطة في بحر، إلى بحر يحتوي كل النقاط.
(11)
نحن نخاف من كلمة "الفشل"
لأننا "تعودنا" على أن الفشل لا يعني اكتساب خبرة..
الفشل يعني النهاية.
الفشل يعني وجوب العودة..
الفشل يعني تحريم معاودة التجربة.
ونستمر ككوكب تائه يسبح في الفضاء.
"بشت أوكلاند"
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011