قال : أخواني المصريين ، قبل أن أنفض لكم ذلك الخبر أسديكم هذه النصيحة التي لم يضعها مؤلف تاريخي لسوء الحظ ، إلا في الفصل الأخير من رواية شقائي :
إياكم إياكم أن تغتروا بمعاني المرأة ، وتحسبونها معاني الزوجة ؛ وفرقوا بين الزوجة بخصائصها ،وبين المرأة بمعانيها ، فإن في كل زوجة آمرأة ، ولكن ليس في كل آمراة زوجة . واعلموا أن المرأة في أنوثتها وفنونها النسائية الفردية ، كهذا السحاب الملون في الشفق حين يبدو ؛ له وقت محدود ثم يمسخ مسخا ؛ ولكن الزوجة في نسائيتها الاجتماعية كالشمس ؛ قد يحجبها ذلك السحاب ، بيد أن البقاء لها وحدها ، والاعتبار لها وحدها ،ولها وحدها الوقت كله .
لا تتزوجوا يا إخواني المصريين بأجنبية ؛ إن أجنبية يتزوج بها مصري ، هي مسدس جرائم فيه ست قذائف :
الأولى :بوار آمرأة مصرية وضياعها بضياع حقها في هذا الزواج ؛ وتلك جريمة وطنية ، فهذا واحدة .
والثانية : اقتحام الأخلاق الأجنبية على طباعنا وفضائلنا – في هذا الاجتماع الشرقي ، وتوهينه وصدعه وهي جريمة أخلاقية .
والثالثة : دس العروق الزائغة في دمائنا ونسلنا ، وهي جريمة اجتماعية .
والرابعة : التمكين للأجنبي في بيت من بيوتنا ، يملكه ويحكمه ويصرفه على ما شاء ؛ وهي جريمة سياسية .
والخامسة : للمسلم منا إيثاره غير أخته المسلمة ، ثم تحكيمه الهوى في الدين ، وما يعجبه وما لا يعجبه ؛ ثم إلقاؤه السم الديني في نبع ذريته المقبلة ، ثم صيرورته خزيا لأجداده الفاتحين الذين كانوا يأخذونهن سبايا ، ويجعلونهن في المنزلة الثانية أو الثالثة بعد الزواجة ؛ فأخذته هي رقيقا لها ، وصار معها في المنزلة الثانية أو الثالثة بعد عشقها ، وهذه جريمة دينية .
والسادسة : بعد ذلك كله ، أن هذا المسكين يؤثر أسفله على أعلاه ...ولا يبالي في ذلك خمس جرائم فظيعة .
وهذه السادسة جريمة إنسانية!
***
وما كنت أحسب يا أخواني ، وقد رجعت بزوجتي الأوربية إلى مصر ، أني أحضرت معي من أوروبا آلة تصنع أحزاني ومصائبي ! ولم يكن وعظني أحد بما أعظكم به الآن ، ولا تنبهت بذكائي إلى أن الزوجة الأجنبية تثبت لي غربتي في بلادي ! وتثبت علي أني غير وطني أو غير تام الوطنية ، ثم تكون مني حماقة تثبت أني أحمق فيما اخترت ؛ ثم تعود مشكلةً دولية في بيتي ، يزورها أبناء جنسها ويستزيرونها رغم أنفي وفمي ووجهي كله ! ويستطيلون بالحماية ، ويستترون بالامتيازات ، ويرفعون ستارا عن فصل ، ويرخون ستارا على فصل ...وأنا وحدي أشهد الرواية ...!
إن الشيطان في أوروبا شيطان عالم مخترع . فقد زين لي تلك من تلك الزوجة ثلاث نساء معا : زوجة عقلية ، وزوجة قلبية ، وزوجة نفسية ؛ ثم نفث اللعين في روعي أن المرأة الشرقية ليس فيها إلا واحدة ، وهي مع ذلك ليست من هؤلاء الثلاث ولا واحدة ، قال الخبيث : لأنها زوجة الجسم وحده ، فلا تسمو إلى العقل ، ولا تتصل بالقلب ، ولا تمتزج بالنفس ؛ وأنها بذلك جاهلة ، غليظة الحس ، خشنة الطبع ، ولا تكون مع المصري إلا كما تكون الأرض المصرية مع فلاحها ..
لعنة الله على ذلك الشيطان الرجيم العالم المخترع ! ما علمت إلا من بعد أن هذه الشرقية الجاهلة الخشنة الجافية ، هي كالمنجم الذي تِبره في ترابه ، وماسه في فحمه ، وجوهره في معدنه ؛ وأن صعوبتها من صعوبة العفة الممتنعة ، وأن خشونتها من خشونة الحب المعتز بنفسه ، وأن جفاءها من جفاء الدين المتسامي على المادة ؛ وأنها بمجموع ذلك كأن لها الصبر الذي لا يدخله العجز ، وكان لها الوفاء الذي لا تلحقه الشبهة ، وكان لها الإيثار الذي لا يفسده الطمع .
هي جاهلة ، ولها عقل الحياة في دارها ، وغليظة الحس ولها أرق مافي الزوجة لزوجها وحده ، وخشنة الطبع ، لأنها تتنزه أن تكون ملمسا ناعماً لهذا وذاك وهؤلاء وأولئك ...لا كامرأة الحب الأوربية ، التي تجعل نفسها أنثى الفن ، ويريد أن تعيش دائما مع زوجها الشرقي من التفضيل والإيثار والإجلال والإباحة –في كلمة (أنا9 قبل كلمة ( أنت ) .. امرأة أنشأتها الحرب العظمى بأخلاق مخربة مدمرة تنفجر بين الوقت والوقت .
عندنا يا أخواني تعدد الزوجات ، يتهموننا به من عمى وجهل وسخافة . انظروا ، هل هو إلا إعلان لشرعية الرجولة والأنوثة ، ودينية الحياة الزوجية في أي أشكالها ؛ وهل هو إلا إعلان بطولة الرجل الشرقي الأنوف الغيور ، أن الزوجة تتعدد عند الرجال ولكن ... ولكن ليس كما يقع في أوربا من أن الزوج يتعدد عند المرأة ..!
يتهموننا بتعدد المرأة على أن تكون زوج لها حقوقها وواجباتها – بقوة الشرع والقانون – نافذة مؤداة ؛ ثم لا يتهمون أنفسهم بتعدد المرأة خليلة مخادنة ليس لها حق على أحد ، ولا واجب من أحد ، بل هي تتقاذفها الحياة من رجل إلى رجل ، كالسكير يتقاذفه الشارع من جدار إلى جدار .
لعنة الله على شيطان المدينة العالم المخترع المخنث ، الذي يجعل للمرأة الأوروبية بعد أن يتزوحها الرجل الشرقي ، أصابع ((أوتوماتيكية )) ما أسرع ما تمتد في نزوة من حماقاتها إلى رجلها بالمسدس ، فإذا الرصاص والقتل ؛ ما أسرع ما تمتد في نزوة من عواطفها إلى عاشقها بمفتاح الدار فإذا الخيانة والعهر !!
ماذا تتوقعون يا إخواني من تلك الرقيقة الناعمة ، المتأنثة بكل ما فيها أنوثة تكفي رجالا لا رجلا واحدا ، وقد ضعفت روحية الأسرة في رأيها ، وتبذلت الروحية في مجتمعها ابتذالا ، فأصبح عندها الزوج للزوج على إطلاقة ، لا لتكون آمرأة واحدة لرجل واحد مقصورة عليه ؛ وبذلك عاد الزواج حقا في جسم المرأة دون قلبها وروحها ؛ فإن كان الزوج مشؤوما منكوبا لم يستطع أن يكون رجل قلبها – فعليه أن يدع لها الحرية لتختار زوج قلبها ...! ومعنى ذلك أن تكون هذه المرأة مع الزوج الشرعي بمنزلة المرأة مع فاسق ؛ ومع الفاسق بمنزلة المرأة مع الزوج الشرعي ..!
وإن كان الرجل منحوسا مخيبا ، وكان قد بلغ إلى قلبها زمنا ثم قلبها – فعليه أن يدع له الحرية لتتنقل وتلذ بلذات الهوى ، ويقول لها : شأنك بمن أحببت ! فإن هذا المنحوس المخيب ليس عندها إنسانا ، ولكنه رواية إنسانية انتهى الفصل الجميل منها بمناظره الجميلة ، وبدأ فصل ىخر بحوادث غير تلك .فلمن يشهد الرواية أن يتبرم ما شاء ، ويستثقل كما يشاء ، ومتى شاء أنصرف من الباب ...!
امرأة هذه المدنية هي امرأة العاطفة ؛ تتعلق باللفظ حين تلبسه العاطفة من زينتها ، وإن ضاع فيه المعنى الكبير من معاني العقل ، وإن فاتت به النعمة الكبيرة من نعم الحياة .
تقوى العاطفة فتجيء بها إلى رجل ، قم تقوى الثانية فتذهب بها مع رجل آخر ..! وتقيد نفسها إن شاءت ، وتسرح نفسها إن شاءت ؛ وما لا بد من أن تبلو كما يبلوها الرجل وأن تخوض في مشاكلها ؛ وإذا شاءت جعلت نفسها إحدى مشاكلها ...! ولا مندوحة (12) من أن تتولى شأن نفسها بنفسها ، فإذا خاست (13) أو غدرت فكل ذلك عندها من أحكام نفسها ، وكل ذلك رأي وحق ، إذ كان محورها الذي تدور عليه هو عاطفتها وحرية هذه العاطفة ، فمن هذا يقرر لها خطتها ، ويملي عليها واجباتها ، ويزوّرُ لها الأسماء على إرادته دون إرادتها ، فيسمي لها نكد قلبها باسم فضيلة المراة ، وحرمان عاطفتها باسم واجب الزوجة الشريفة ؟
ومنذا خوله الحق أن يقرر وأن يملي ؟
وهذا الشرقي العتيق المأفون(14) الذي قلبها سافرة لا تعرف روحها ولا جسمها الحجاب ؛ ما باله يريد أن يضرب الحجاب على عاطفتها ، ويتركها محبوسة في شرفه وحقوقه وواجباته وإن لم تكن محجوبة في الدار ؟
ما علت يا أخواني إلا من بعد أن الزوجة الغربية قد تكون مع زوجها الشرقي كالسائحة مع دليلها . هيهات هيهات ، إنه لن يمسكها عليه ، ولن يكرهها على الوفاء له ، إلا أن تكون حثالة يزهد فيها ذباب الناس ، فيأسها هو يجعل هذا المسكين مطمعها ، وهي مع ذلك لو خلطته بنفسها لبقيت منها ناحية لا تختلط ، إذ ترى أمته دون أمتها ، وجنسه دون جنسها ؛ فما تسب أمه زوجها وبلاده بأقبح من هذا !
أما – والله – إن الرجل الشرقي حين يأتي بالأجنبية لتلوين حياته بألوان الأنثى ...لا يكون اختار أزهى الألوان إلا لتلوين مصائب حياته ! وقد يكون هناك ما يشذ ، ولكن هذه هي القاعدة .
***
أما قصتي يا أخواني ....
قال الدكتور محمد : قد حكيتها(( يرحمك الله )).
إياكم إياكم أن تغتروا بمعاني المرأة ، وتحسبونها معاني الزوجة ؛ وفرقوا بين الزوجة بخصائصها ،وبين المرأة بمعانيها ، فإن في كل زوجة آمرأة ، ولكن ليس في كل آمراة زوجة . واعلموا أن المرأة في أنوثتها وفنونها النسائية الفردية ، كهذا السحاب الملون في الشفق حين يبدو ؛ له وقت محدود ثم يمسخ مسخا ؛ ولكن الزوجة في نسائيتها الاجتماعية كالشمس ؛ قد يحجبها ذلك السحاب ، بيد أن البقاء لها وحدها ، والاعتبار لها وحدها ،ولها وحدها الوقت كله .
لا تتزوجوا يا إخواني المصريين بأجنبية ؛ إن أجنبية يتزوج بها مصري ، هي مسدس جرائم فيه ست قذائف :
الأولى :بوار آمرأة مصرية وضياعها بضياع حقها في هذا الزواج ؛ وتلك جريمة وطنية ، فهذا واحدة .
والثانية : اقتحام الأخلاق الأجنبية على طباعنا وفضائلنا – في هذا الاجتماع الشرقي ، وتوهينه وصدعه وهي جريمة أخلاقية .
والثالثة : دس العروق الزائغة في دمائنا ونسلنا ، وهي جريمة اجتماعية .
والرابعة : التمكين للأجنبي في بيت من بيوتنا ، يملكه ويحكمه ويصرفه على ما شاء ؛ وهي جريمة سياسية .
والخامسة : للمسلم منا إيثاره غير أخته المسلمة ، ثم تحكيمه الهوى في الدين ، وما يعجبه وما لا يعجبه ؛ ثم إلقاؤه السم الديني في نبع ذريته المقبلة ، ثم صيرورته خزيا لأجداده الفاتحين الذين كانوا يأخذونهن سبايا ، ويجعلونهن في المنزلة الثانية أو الثالثة بعد الزواجة ؛ فأخذته هي رقيقا لها ، وصار معها في المنزلة الثانية أو الثالثة بعد عشقها ، وهذه جريمة دينية .
والسادسة : بعد ذلك كله ، أن هذا المسكين يؤثر أسفله على أعلاه ...ولا يبالي في ذلك خمس جرائم فظيعة .
وهذه السادسة جريمة إنسانية!
***
وما كنت أحسب يا أخواني ، وقد رجعت بزوجتي الأوربية إلى مصر ، أني أحضرت معي من أوروبا آلة تصنع أحزاني ومصائبي ! ولم يكن وعظني أحد بما أعظكم به الآن ، ولا تنبهت بذكائي إلى أن الزوجة الأجنبية تثبت لي غربتي في بلادي ! وتثبت علي أني غير وطني أو غير تام الوطنية ، ثم تكون مني حماقة تثبت أني أحمق فيما اخترت ؛ ثم تعود مشكلةً دولية في بيتي ، يزورها أبناء جنسها ويستزيرونها رغم أنفي وفمي ووجهي كله ! ويستطيلون بالحماية ، ويستترون بالامتيازات ، ويرفعون ستارا عن فصل ، ويرخون ستارا على فصل ...وأنا وحدي أشهد الرواية ...!
إن الشيطان في أوروبا شيطان عالم مخترع . فقد زين لي تلك من تلك الزوجة ثلاث نساء معا : زوجة عقلية ، وزوجة قلبية ، وزوجة نفسية ؛ ثم نفث اللعين في روعي أن المرأة الشرقية ليس فيها إلا واحدة ، وهي مع ذلك ليست من هؤلاء الثلاث ولا واحدة ، قال الخبيث : لأنها زوجة الجسم وحده ، فلا تسمو إلى العقل ، ولا تتصل بالقلب ، ولا تمتزج بالنفس ؛ وأنها بذلك جاهلة ، غليظة الحس ، خشنة الطبع ، ولا تكون مع المصري إلا كما تكون الأرض المصرية مع فلاحها ..
لعنة الله على ذلك الشيطان الرجيم العالم المخترع ! ما علمت إلا من بعد أن هذه الشرقية الجاهلة الخشنة الجافية ، هي كالمنجم الذي تِبره في ترابه ، وماسه في فحمه ، وجوهره في معدنه ؛ وأن صعوبتها من صعوبة العفة الممتنعة ، وأن خشونتها من خشونة الحب المعتز بنفسه ، وأن جفاءها من جفاء الدين المتسامي على المادة ؛ وأنها بمجموع ذلك كأن لها الصبر الذي لا يدخله العجز ، وكان لها الوفاء الذي لا تلحقه الشبهة ، وكان لها الإيثار الذي لا يفسده الطمع .
هي جاهلة ، ولها عقل الحياة في دارها ، وغليظة الحس ولها أرق مافي الزوجة لزوجها وحده ، وخشنة الطبع ، لأنها تتنزه أن تكون ملمسا ناعماً لهذا وذاك وهؤلاء وأولئك ...لا كامرأة الحب الأوربية ، التي تجعل نفسها أنثى الفن ، ويريد أن تعيش دائما مع زوجها الشرقي من التفضيل والإيثار والإجلال والإباحة –في كلمة (أنا9 قبل كلمة ( أنت ) .. امرأة أنشأتها الحرب العظمى بأخلاق مخربة مدمرة تنفجر بين الوقت والوقت .
عندنا يا أخواني تعدد الزوجات ، يتهموننا به من عمى وجهل وسخافة . انظروا ، هل هو إلا إعلان لشرعية الرجولة والأنوثة ، ودينية الحياة الزوجية في أي أشكالها ؛ وهل هو إلا إعلان بطولة الرجل الشرقي الأنوف الغيور ، أن الزوجة تتعدد عند الرجال ولكن ... ولكن ليس كما يقع في أوربا من أن الزوج يتعدد عند المرأة ..!
يتهموننا بتعدد المرأة على أن تكون زوج لها حقوقها وواجباتها – بقوة الشرع والقانون – نافذة مؤداة ؛ ثم لا يتهمون أنفسهم بتعدد المرأة خليلة مخادنة ليس لها حق على أحد ، ولا واجب من أحد ، بل هي تتقاذفها الحياة من رجل إلى رجل ، كالسكير يتقاذفه الشارع من جدار إلى جدار .
لعنة الله على شيطان المدينة العالم المخترع المخنث ، الذي يجعل للمرأة الأوروبية بعد أن يتزوحها الرجل الشرقي ، أصابع ((أوتوماتيكية )) ما أسرع ما تمتد في نزوة من حماقاتها إلى رجلها بالمسدس ، فإذا الرصاص والقتل ؛ ما أسرع ما تمتد في نزوة من عواطفها إلى عاشقها بمفتاح الدار فإذا الخيانة والعهر !!
ماذا تتوقعون يا إخواني من تلك الرقيقة الناعمة ، المتأنثة بكل ما فيها أنوثة تكفي رجالا لا رجلا واحدا ، وقد ضعفت روحية الأسرة في رأيها ، وتبذلت الروحية في مجتمعها ابتذالا ، فأصبح عندها الزوج للزوج على إطلاقة ، لا لتكون آمرأة واحدة لرجل واحد مقصورة عليه ؛ وبذلك عاد الزواج حقا في جسم المرأة دون قلبها وروحها ؛ فإن كان الزوج مشؤوما منكوبا لم يستطع أن يكون رجل قلبها – فعليه أن يدع لها الحرية لتختار زوج قلبها ...! ومعنى ذلك أن تكون هذه المرأة مع الزوج الشرعي بمنزلة المرأة مع فاسق ؛ ومع الفاسق بمنزلة المرأة مع الزوج الشرعي ..!
وإن كان الرجل منحوسا مخيبا ، وكان قد بلغ إلى قلبها زمنا ثم قلبها – فعليه أن يدع له الحرية لتتنقل وتلذ بلذات الهوى ، ويقول لها : شأنك بمن أحببت ! فإن هذا المنحوس المخيب ليس عندها إنسانا ، ولكنه رواية إنسانية انتهى الفصل الجميل منها بمناظره الجميلة ، وبدأ فصل ىخر بحوادث غير تلك .فلمن يشهد الرواية أن يتبرم ما شاء ، ويستثقل كما يشاء ، ومتى شاء أنصرف من الباب ...!
امرأة هذه المدنية هي امرأة العاطفة ؛ تتعلق باللفظ حين تلبسه العاطفة من زينتها ، وإن ضاع فيه المعنى الكبير من معاني العقل ، وإن فاتت به النعمة الكبيرة من نعم الحياة .
تقوى العاطفة فتجيء بها إلى رجل ، قم تقوى الثانية فتذهب بها مع رجل آخر ..! وتقيد نفسها إن شاءت ، وتسرح نفسها إن شاءت ؛ وما لا بد من أن تبلو كما يبلوها الرجل وأن تخوض في مشاكلها ؛ وإذا شاءت جعلت نفسها إحدى مشاكلها ...! ولا مندوحة (12) من أن تتولى شأن نفسها بنفسها ، فإذا خاست (13) أو غدرت فكل ذلك عندها من أحكام نفسها ، وكل ذلك رأي وحق ، إذ كان محورها الذي تدور عليه هو عاطفتها وحرية هذه العاطفة ، فمن هذا يقرر لها خطتها ، ويملي عليها واجباتها ، ويزوّرُ لها الأسماء على إرادته دون إرادتها ، فيسمي لها نكد قلبها باسم فضيلة المراة ، وحرمان عاطفتها باسم واجب الزوجة الشريفة ؟
ومنذا خوله الحق أن يقرر وأن يملي ؟
وهذا الشرقي العتيق المأفون(14) الذي قلبها سافرة لا تعرف روحها ولا جسمها الحجاب ؛ ما باله يريد أن يضرب الحجاب على عاطفتها ، ويتركها محبوسة في شرفه وحقوقه وواجباته وإن لم تكن محجوبة في الدار ؟
ما علت يا أخواني إلا من بعد أن الزوجة الغربية قد تكون مع زوجها الشرقي كالسائحة مع دليلها . هيهات هيهات ، إنه لن يمسكها عليه ، ولن يكرهها على الوفاء له ، إلا أن تكون حثالة يزهد فيها ذباب الناس ، فيأسها هو يجعل هذا المسكين مطمعها ، وهي مع ذلك لو خلطته بنفسها لبقيت منها ناحية لا تختلط ، إذ ترى أمته دون أمتها ، وجنسه دون جنسها ؛ فما تسب أمه زوجها وبلاده بأقبح من هذا !
أما – والله – إن الرجل الشرقي حين يأتي بالأجنبية لتلوين حياته بألوان الأنثى ...لا يكون اختار أزهى الألوان إلا لتلوين مصائب حياته ! وقد يكون هناك ما يشذ ، ولكن هذه هي القاعدة .
***
أما قصتي يا أخواني ....
قال الدكتور محمد : قد حكيتها(( يرحمك الله )).
كتبها الأديب
مصطفى صادق الرافعي رحمه الله
في كتاب ( وحي القلم)
"وأنوه بأن جميع حقوق هذا الموضوع خاصة (بمبتعث ) ولا يحق لأي أحد نقلها إلا بذكر الرابط "
مصطفى صادق الرافعي رحمه الله
في كتاب ( وحي القلم)
"وأنوه بأن جميع حقوق هذا الموضوع خاصة (بمبتعث ) ولا يحق لأي أحد نقلها إلا بذكر الرابط "
January 5th, 2008, 11:48 AM
أحبها وأحبته ، حتى ذهب بها في الحب مذهبا قالت له فيه :" لو جائني قلبي في صورة بشرية لأراه كما أحسه ، لما اختار غير صورتك أنت في رقتك وعطفك وحنانك " و حتى ذهبت به في الحب مذهبا قال لها فيه :"إن الجنة لا تكون أبدع فنا ولا أحسن جمالا ، ولا أكثر إمتاعا – لو خلقت ىمرأة يهواها رجل – إلا أن تكون هي أنت " فقالت له : "ويكون هو أنت ...!" .
وتدلهت(1) فيه ، حتى كأنما خلبها عقلها (2) ووضع لها من هواه ؛ فكانت تقول له فيما تبثه من ذات نفسها : "إن حب المرأة من ظهور إرادتها متبرئة من أنها إرادة ، مقرة أنها مع الحبيب طاعة مع أمر ، مذعنة (3) أنها قد سلمت كبرياءها لهذا الحبيب ، لتراه في قوته ذا كبريئين "
وافتتن بها حتى أخذت منه كل مأخذ ، فملأت نفسه بأشياء ، وملأت عينه من أشياء ، فكان يقول لها في نجواه :" إني أرى الزمن قد انتسخ مما بيني وبينك ، فإنما نحن بالحب في زمن من نفسينا العاشقين ، لا يسمى الوقت ولكن يسمى السرور ؛ وإنما نعيش في أيام قلبية ، لا تدل على أوقاتها الساعة بدقائقها وثوانيها ولكن السعادة بحقائقها ولذاتها ".
وتحابا ذلك الحب الفني العجيب ، الذي يكون ممتلئا من الروحين يكاد يفيض وينسكب ، وهو مع ذلك لا يبرح يطلب الزيادة ، ليتخيل من لذتها ما يتخيل السكير من نشوته إذا طفحت الكأس(4) ،فيري بعينيه أنها ستتسع لأكثر ما امتلأت ، به فيكون له بالكأس وزيادتها ، سكر الخمر وسكر الوهم .
تحابا ذلك الحب الفوار في الدم ، كأن فيه من دورتها طبيعة الفراق والتلاقي بغير تلاق ولا فراق ؛ فيكونان معا في مجلسهما الغزلي ، جنبه إلى جنبها وفاه إلى فيه وكأنما هربت ثم أدركها ، وكأنما فرت ثم أمسكها . وبين القبلة والقبلة هجران وصلح
، وبين اللفتة واللفتة غضب ورضى .
وهذا ضرب (5) من الحب يكون في بعض الطبائع الشاذة المسرفة ، التي أفرطت (6) عليها الحياة إفراطها فيلف الحيوانية بالإنسانية ، ويجعل الرجل والمرأة كبعض الأحماض الكيماوية مع بعضها ؛ لا تلقي إلا لتمتازج ، ولا تتمازج إلا لتتحد ولا تتحد إلا ليبتلع وجود هذا وجود ذاك .
وضرب الدهر من ضرباته في أحداث وأحداث ، فأبغضته وأبغضها ، وفسدت ذات بينهما ، وأدبر منها ما كان مقبلا، فوثب كلاهما من وجود الآخر وثبة فزع على وجهه . أما هو فسخطها لعيوب نفسها ، وأما هي .... وأما هي فتكرهته لمحاسن غيره !
وانسربت أيام (7) ذلك الحب في مساريها تحت الزمن العميق الذي طوى ولا يزال يطوي ولا يبرح بعد ذلك يطوي ؛ كما يغور الماء في طباق الأرض . فأصبح الرجل المسكين وقد نزلت تلك الأيام من نفسه منزلة اقارب وأصدقاء وأحباء ماتوا بعضهم وراء بعض ، وتركوه ولكنهم لم يبرحوا فكره ، فكانوا له مادة حسرة ولهفة . أما هي .. أماهي فانشق الزمن في فكرها برجة زلزلة ، وابتلع تلك الأيام ثم التأم ..!
فحدثنا "الدكتور محمد" رئيس جماعة الطلبة المصريين في مدينة ... بفرنسا ، قال " وانتهى إلي أن صاحبنا هذا جاء إلى المدينة وأنه قادم من مصر ، فتخالجني (8) الشوق إليه ، ونزعت إلى لقائه نفسي ، وما بيننا إلا معرفتي أنه مصري قدم من مصر ؛ وخيل إلي في تلك الساعة مما اهتاجني من الحنين إلى بلادي العزيزة ، أن ليس بيني وبين مصر إلا شارعان أقطعهما في دقائق ؛ فخففت إليه من أقرب الطرق إلى مثواه (9) ، كما يصنع الطير إذا ترامى إلى عشه فابتدره من قُطرِ الجو.
قال : وأصبته واجما يعلوه الحزن فتعرفت إليه ، فما أسرع ما ملأ من نفسي وما ملأت من نفسه . كما يحمي الزمان بين الحبيبين إذا التقيا بعد فرقة – يتلاشى المكان بين أهل الوطن الواحد إذا تلاقوا في الغربة . فذابت المدينة الكبيرة التي نحن فيها ، كأن لم تكن شيئا ؛ وتجلى سحر مصر في أقوى سطوته وأشدها فأخذنا كلينا ، فما استشعرنا ساعتئذ إلا أن أوربا العظيمة كأنما كانت موسومة على ورقة ، فطويناها وأحللنا مصر في محلها .
وطغى علينا نازع الطرب طغيانا شديدا ، فأرسلت من يجمع الإخوان المصريين ، واخترت لذلك صديقا شاعر الفطرة ، فنزا به الطرب (10) ، فكان يدعوهم وكانه يؤذن فيهم لإقامة الصلاة .وجاءوا يهرولون هرولة الحجيج ، فلو نطقت الأرض الفرنسية التي مشوا عليها تلك المشية لقالت : هذه وطأة أسود تتخيل خيلأها من بغي النشاط والقوة .
الأ ما أعظمك يا مصر ، وما أعظم تعنتك في هذا السحر الفاتن ! أينبغي أن يغترب كل أهلك حتى يدركوا معنى ذلك الحديث النبوي العظيم:[مصر كنانة الله في أرضه ] .فيعرفوا أنك من عزتك معلقة في هذا الكون تعليق الكنانة في دار البطل الأروع ؟
قال ( الدكتور محمد ) واجتمعنا في الدار التي أنزل فيها ، فراع ذلك صاحبة مثواي . قفلت لها : إن ههنا ليلة مصرية ستحتل ليلتكم هذه في مدينتكم هذه ، فلا تجزعوا . ثم دعوتها إلى مجلسنا لتشهد كيف تستعلن الروح المصرية الاجتماعية برقتها و ظرفها وحماستها ، وكيف تفسر هذه الروح المصرية كل جميل من الأشياء الجميلة بشوق من أشواقها الحنانة ، وكيف تكون هذه الروح في جو موسيقيتها الطبيعية حين تناجي أحبابها ، فيجيء حديثها بطبيعته كأنه ديباجة شاعر في صفتها وحلاوتها ورنين ألفاظها ؟
وقالت السيدة الظريفة : يا لها من سعادة ! سأتخذ زينتي ، وأصلح من شأني وأكون بعد خمس دقائق في مصر !
قال الدكتور : وأخذنا في شأننا ، وكان معنا طالب حسن الصوت ، فقام إلى البيانة (تعريب بيانو )وغنى مقطوعة ((طقطوقة )) مصرية من هذه المقاطيع التي تطقطق فيها النفس ، فجعل يمطل صوته بآه وآه ودار اللحن دورة تأوهت فيها الكلمات كلها .
ثم اعتور البيانة طالب آخر فما شذ عن هذه السنة ، وكان بعد الأول كالنائحة تجاوب النائحة! فمالت علي السيدة الفرنسية وأسرت إلي : أهاتان امرأتان أن رجلان ..؟ فقلت لها : إن هذا لحن تاريخي ذو مقطوعتين ، كانت تتطارحه كيلوباترة وأنطونيو ، وأنطونيو وكيلوباترة ... فأعجبت المرأة أشذ الإعجاب ، وأكبرت منا هذا الذوق المصري أن نكرمها لوجودها في مجلسنا بألحان الملكة المصرية الجميلة، وطربت لذلك أشد الطرب ، وملكها غرور المرأة ، فجعلت تستعيد : "يا لوعتي ياشقاي ياضنى حالي ..." وتقول ما كان أرق كيلوباترة ! ما أرق أنطونيو ! يالفتنة الحب الملكي ..!
قال " الدكتور محمد" : ثم خجلت والله من هذا الكلام المخنث ، ومن تلفيقي الذي لفقته للمرأة المخدوعة ، فانتفضت انتفاضة من يملؤه الغضب ، وقد حمي دمه ، وفي يده السيف الباتر ، وأمامه العدو الوقح ؛ وثرت إلى البيانة فأجريت عليها أصابعي ، وكان في يدي عشرة شياطين لا عشرة أصابع ، ودوى في المكان لحن " أسلمي يا مصر " وجلجل كالرعد في قبة الدنيا ، تحت طباق الغيم ، بين شارا البرق .فكأنما تزلزل المكان على السيدة الفرنسية وعلينا جميعا وصرخ أجدادنا يزارون من أعماق التاريخ :"اسلمي يا مصر ...."
ولما قطعت الفت إليها في كبريا تلك الموسيقى وعظمتها وقلت لها : هذا هو غناؤنا نحن الشبان المصريين .
ثم راجعنا صاحبنا الضيف ، وأحفيناه بالمسألة ، فقال بعد أن دافعنا طويلا : إنه يحسن شيئا من الموسيقى وإن له لحنا سيطارحنا به لنأخذه عنه . فطرنا بلحنه قبل أن نسمعه ، وقلنا له : افعل متفضلا مشكورا وما زلنا حتى نهض متثاقلا فجلس إلى البيانة وأطرق شيئا ، كأنه يسوي أوتار في قلبه ، ثم دق يتشاجى بهذا الصوت :
أضاع غدي من كان في يده غدي * وحطمني من كان يجهد في سبكي !
فإن كنت لا آسى لنفسي فمن إذن؟ * وإن كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي ؟
قال "الدكتور محمد " : فكان الغناء يعتلج (11)في قلبه اعتلاجاً ، وكانت نفسه تبكي فيه بكاءها وتغص من غصتها ، وكأن في الصوت فكرا حزينا يستعلن في هم موسيقى ، وخيل إلينا بين ذلك أن البيانة انقلبت امرأة مغنية تطارح هذا الرجل عواطفها وأحزانها ، فاجتمع من صوتها أكمل صوت إنساني وأجمله وأشجاه وأرقه .
فأطفنا به وقلنا له : لقد كتمتنا نفسك حتى نم عليها ما سمعنا ، وما هذا بغناء ، ولكنه هموم ملحنة تلحينا ، فلن ندعك أو تخبرنا ما كان شأنك وشأنها .
فاعتل علينا ودافعنا جهده ، فقلنا له :هيهات ؛ والله لن نفلتك وقد صرت في أيدينا ، وإنك ما تزيد على أن تعظنا بهذه القصة ؛ فإن أمسكت عنها فقد أمسكت عن موعظتنا ، وإن بخلت فما بخلت بقصتك بل بعلم من علم الحياة نفيده منك ؛ وأنت ترانا نعيش هاهنا في اجتماع فاسد كأنه قصص قلبية ، بين نساء لا يلبسن إلا ما يعري جمالهن ، وفي رجال أفرطت عليهم الحرية ، حتى دخل فيها مخدع الزوجة ...!
قال الدكتور : ونظرت فإذا الرجل كاسف قد تغير لونه وتبين الانكسار في وجهه فألممت بما في نفسه ، وعلمت أنه قد دهي في زوجة ، من هؤلاء الأوربيات ، اللواتي يتزوجن على أن يكون مخدع المرأة منهن حرا أن يأخذ ويدع ، ويغير ويبدل ، ويقسم كلمة ((زوج )) قسمين أو ثلاثة أو أربعة وما شاء الله ...
وكأنما مسست البارود بتلك الشرارة ، فانفجرت نفس الرجل عن قصة ما أفظعها !
قال : أخواني المصريين ، قبل أن أنفض لكم ذلك الخبر أسديكم هذه النصيحة التي لم يضعها مؤلف تاريخي لسوء الحظ ، إلا في الفصل الأخير من رواية شقائي :....
____________________
(2) خلبها عقلها : استحوذ عليه .
(3) مذعنة : خاضعة .
(4) طفحت الكأس : امتلأت .
(5) ضرب : نوع .
(6) أفرطت : غالت .
(7) انسربت الأيام :انصرمت .
(8) خالج : داخل .
(9) مثواه : بيته .
(10) مثواه : بيته .
(11) يعتلج : يصطرع ويمور .