,
بـقلم المبتعث المبدع /
محمد الحاجي
هناك شبه يقين بأنْ إذا وصلتك تدوينتي هذه, فأنت على إطّلاع جيد بتحدّي الثلج وبأنك لا تعيش في خيمة قرب الحدود السعودية العُمانية أو ما شابه. يوم الجمعة الفائت, أعلنت المنظّمة الراعية لهذه المبادرة عن قيمة التبرعات التي وصلتها والتي ضاهت المئة مليون دولار لدعم الأبحاث العلمية حول مرض “
التصلّب الجانبي الضموري”. مستوى الوعي حول هذا المرض النادر وصل لمستويات عالية جدًا كما تبيّنها احصائيات محّركات البحث. هناك إذًا نجاحٌ باهر يستحق الفهم والتحليل وهذا ما أزعم أنّي سأقدّمه هنا
لفتة: هذه التدوينة تقر أن دافع الكثيرين للمشاركة في تحدي الثلج هو حسن نواياهم ورغبتهم الصادقة للمساعدة والتبرّع. ولأنّ هذا تفسيرٌ بديهي وسطحي, سأتجاوز طرحه. العوامل النفسية التي سنستعرضها هنا يمكنك إسقاطها على سائر الظواهر الاجتماعية المنتشرة, فالنفس البشرية متقاربة وعوامل استفزازها وتحريضها متشابهة.
سيكولوجية تحدّي الثلج.. كيف نجح؟
1) المُماثلة
هل حصل أن اعتنقت رأيًا فقط لأنك قرأته من أحد المشاهير أو سمعته من أحد الأيقونات الوجيهة في المجتمع؟ هل لاحظت موجة التعاطف مع عمّال النظافة بشتّى الأساليب في الآونة الأخيرة؟ في الغالب نعم. هناك ثلاثة أسباب رئيسة تفسّر سلوكيّاتنا اليومية:
أ- نقوم بفعل الشيء لأننا نخاف من عواقبه -كالتزامنا بالسرعة في وجود كاميرات ساهر. أو أننا نقوم بفعل الشيء راجين ثوابًا ما -كأن ننشر صورة كتاب بجانبه كوب قهوة في الإنستجرام فقط لنبدو رائعين أمام أصدقائنا. إذا كان العقاب أو الثواب هو دافعنا للقيام بأي سلوك, فإن هذا السلوك سينقطع في أول فرصة يغيب فيها الحافز. فلو كنّا في طريقٍ لا توجد به كاميرات ساهر, سنعود إلى حيث تهورنا وجنوننا في القيادة, ولو اختفى إنستجرام, سنعيد الكتب إلى رفوفها.
ب- أحيانًا أخرى, نقوم بسلوكٍ ما لأننا فعلًا نؤمن به ونؤمن بالمبدأ الذي يستند إليه. فبعضنا لا يتجاوز الطابور ولا يرمي المخلّفات في الأرض في أي مدينةٍ كان. هنا لا يوجد عقاب ولا ثواب بالضرورة, وإنما يوجد إيمان متأصل. هذا النوع من القناعة الأصيلة هي التي تجعلنا نقوم بسلوكٍ ما بغض النظر عن المحفّزات وفي أي مكانٍ وزمان.
ج- في حالات أخرى, يقوم الفرد بسلوكٍ ما لأنّه رأى شخصية أو مجموعة ذات شعبية تقوم بذلك, فيحاول أن يضم نفسه لتلك الشخصية أو المجموعة الشهيرة. موجة “تصوير السِلفي” التي عصفت بالعالم بعد اللقطة الشهيرة في حفل الأوسكار هي مثال على ما يُسمى في علم النفس الاجتماعي بـ”المحاكاة والمماثلة”, حيث بات إلتقاط “السِلفي” من ميزات الشخصية المعاصرة ذات النَفَس الشبابي, فما كان من الأفراد الطامحين لهذه الرتبة الاجتماعية إلا ركوب الموجة وإلتقاط الملايين من الصور بهذه الطريقة. هنا نلاحظ أنه لا يوجد عقاب ولا ثواب مباشر, ولا توجد قناعة أصيلة بجمالية الفكرة, بل يوجد انتماء لفرقة معيّنة محبوبة اجتماعيًا ولذا ألصقنا أنفسنا بها.
أعتقد أننا نستطيع الآن بسهولة استنتاج أن آلية “المحاكاة والمماثلة” هي التي ساقت الآلاف حول العالم للمشاركة في تحدّي الثلج. فبعدما انتشرت ڤيديوهات لمشاهير كالرئيس بوش وبيل جيتس وأوبرا وينفري وتوم كروز وغيرهم العشرات من نجوم هوليوود ومشاهير الغناء والرياضة, أصطبغ تحدّي الثلج بالصبغة النخبوية, وأخذت الحملة طابعًا عصريًا بقيادة هؤلاء المشاهير. وبطبيعة الحال, ليس هناك أكثر إغراءً من الانتماء لهذه الطبقة المخملية, وإيجاد عوامل مشتركة بيننا الأفراد “العاديين” وبين أثرياء العالم وروّداه.
2) البرهان الاجتماعي
هل حصل في يومٍ من الأيام وتورّطت في كيفية التصرف تجاه أمرٍ معين وبدأت بعد ذلك تنظر للناس من حواليك لتتأكد أنك تفعل مثلهم لئلّا تظهر بمظهر غير لائق؟ هل وصلت مرة إلى مكانِ ما ووقفت في الطابور دون أن تعرف لماذا هؤلاء الناس وقفوا هنا؟ هل تابعت أحدًا لا تعرفه في تويتر فقط لأنك وجدت لديه آلاف المتابعين؟ في الغالب نعم. أنا وأنت نسير في حياتنا اليومية في تناغم مع باقي أعضاء المجتمع. نسعى لأن نمشي وفق المعايير والأذواق التي وضعها لنا المجتمع وأقرّ على القبول بها. فلذا ننظر للناس من حولنا على أنهم مرشدين يأخذون بأيدينا إلى جادة الصواب, ونعتبر أن سلوك الأغلبية هو برهان على صحّة هذا السلوك, فما دام هناك آلاف من الناس قامت بهذا الشيء, فهذا دليل على أنه شيءٌ مقبول وحسن. هذا مبدأ ما يُسمّى بسلوك القطيع أو ظاهرة العقل الجمعي. فالانسان يطمئن أكثر عندما يكون عضوًا في الجماعة, يعرف أن انتمائه للجماعة قوّة وأمان وأن خروجه عنهم خطر على بقائه ووجوده.
المشاركون في تحدي الثلج رأوا في المشاركة انتماءً للمجموعة. شعروا بأن مشاركتهم ضرورية لتحقيق هذا الانتماء. سيتخالجهم شعورٌ بالنبذ والإقصاء لو لم يشاركوا. بطبيعة الحال, هذه أوهام نفسية تصارع الانسان في داخله -الانسان المصاب في ثقته عادةً ما يكون أكثر عرضة لهذه الأوهام - فيضطر للتخلّص من كمية المشاعر السلبية القابعة كالجبل على نفسه ويقرّر المشاركة والسباحة مع التيّار.
3) التعهّد والإلتزام
في كتابه الكلاسيكي: علم نفس الاقناع, يذكر الباحث النفسي (د. روبرت سيالديني) طرقًا عديدة تزيد من احتمالية قيام الناس بما تريده منهم, كشراء سلعتك أو الاقتناع برأيك وغير ذلك مما تريده تمريره على الناس. ومن أبرز الآليات التي أثبتت نفعها في الاقناع هو أن تجعل الشخص الآخر ملتزمًا معك بنوعٍ من التعهّد. الناس عادةً تميل أكثر للوفاء بوعدها وعهدها, فكسر هذه العهود عادةً ما يأتي بكلفة أخلاقية ومشاعر نفسية سلبية.
تحدّي الثلج إستلهم هذه الفكرة وطوّعها بشكلٍ بارع, حيث أنّ من بنود المشاركة في التحدّي هو أن تدعو أحد أصدقائك علنًا إلى هذا التحدّي. هذا بالطبع نوع من التوريط والإلتزام. أصبح العبء كبيرًا على صديقك الآن, خاصة إذا ما عرفنا أنّ خذلان الدعوة هو خذلان لـ”مساعدة مرضى محتاجين” وهنا يتضاعف العبء النفسي. وكذلك لا نستطيع أن نغفل أن الدعوة تمّت في العلن, وهنا يتداخل “تأثير الجماهير” والذي ينص على أن أداء الفرد أمام الجمهور والمشاهدين يكون عادةً أكثر اتقانًا وأكثر جهدًا بسبب الرغبة الجامحة للظهور بشكلٍ مقبول أمام الناس. كل هذه التأثيرات النفسية قادت الكثيرين للمشاركة في تحدّي الثلج حتى لو لم يكونوا على رضا وقناعة تامّة.
4) ضغط الجماعة
لماذا عندما نكون مع بعض زملاء العمل ويتّفقون على الغداء في أحد المطاعم, نقرّر الذهاب معهم حتى لو كنّا غير راغبين في اختيارهم لهذا المطعم؟ لماذا نصمت أحيانًا ونحبس معارضتنا لقرار الأصدقاء وندّعي أن الفكرة حسنة؟
الجماعة المحيطة بنا تشكّل ضغطًا هائلًا على اختياراتنا. هذه القوة تسوقنا للإنصياع للجماعة حتى لو كنّا معارضين للفكرة لأننا نخشى النبذ والاقصاء كما ذكرنا سابقًا. قوة هذا الضغط تتفاوت درجاتها بناءً على عوامل أهمّها:
أ- أن تكون الجماعة مكوّنة من أناس يشبهوننا, أي أنّ زملاءك في العمل وأصدقاءك يشكّلون ضغطًا نفسيًا عليك أعظم من الضغوطات التي ستواجهها لو كنت في اجتماع مع أعضاء فرقة موسيقية لبنانية.
ب- أن تحوي الجماعة أفرادًا ذوي حظوة اجتماعية وشعبية في أوساط المجتمع. أي أنك لو سمعت أنّ هناك مبادرة للتبرع بالدم في مدينتك, وعلمت أن من المتبرعين أمراء وفنّانين ورياضيين, ستتنامى حماسة هائلة لديك للمشاركة والتبرع بدمك. أما لو كان المشاركون في الحملة مقصورين على طلبة المدرسة الثانوية, فعلى الأرجح أنك ستدّعي أنك لم تسمع بهذه الحملة أصلًا.
نلاحظ أن حملة تحدّي الثلج شملت هذين العاملين: على أصدقائك الذين يشبهونك وعلى شخصياتٍ لها شعبيتها في المجتمع. هنا وصل ضغط الجماعة إلى أوجّه, وهنا بات عليك اتخاذ قرار بالمشاركة لتريح هذا الحِمل الثقيل على نفسك وتكون عضوًا بارّا مخلصًا للجماعة.
خاتمة: تذكّر أن هذا الفهم البسيط لآليات علم النفس الاجتماعي أودعَ مئة مليون دولار في حساب منظّمة صغيرة لا يعرفها أحد تُعنى بمرضٍ لا يعرفه أحد.. والآن, هل تعتقد أن بإمكانك تطبيق هذه الآليات على مبادرةٍ خاصةٍ بك؟
،
http://malhajji.net/post/96418658135 https://twitter.com/MidoAlhajji
September 3rd, 2014, 09:11 AM
,
بـقلم المبتعث المبدع / محمد الحاجي
هناك شبه يقين بأنْ إذا وصلتك تدوينتي هذه, فأنت على إطّلاع جيد بتحدّي الثلج وبأنك لا تعيش في خيمة قرب الحدود السعودية العُمانية أو ما شابه. يوم الجمعة الفائت, أعلنت المنظّمة الراعية لهذه المبادرة عن قيمة التبرعات التي وصلتها والتي ضاهت المئة مليون دولار لدعم الأبحاث العلمية حول مرض “التصلّب الجانبي الضموري”. مستوى الوعي حول هذا المرض النادر وصل لمستويات عالية جدًا كما تبيّنها احصائيات محّركات البحث. هناك إذًا نجاحٌ باهر يستحق الفهم والتحليل وهذا ما أزعم أنّي سأقدّمه هنا
لفتة: هذه التدوينة تقر أن دافع الكثيرين للمشاركة في تحدي الثلج هو حسن نواياهم ورغبتهم الصادقة للمساعدة والتبرّع. ولأنّ هذا تفسيرٌ بديهي وسطحي, سأتجاوز طرحه. العوامل النفسية التي سنستعرضها هنا يمكنك إسقاطها على سائر الظواهر الاجتماعية المنتشرة, فالنفس البشرية متقاربة وعوامل استفزازها وتحريضها متشابهة.
سيكولوجية تحدّي الثلج.. كيف نجح؟
1) المُماثلة
هل حصل أن اعتنقت رأيًا فقط لأنك قرأته من أحد المشاهير أو سمعته من أحد الأيقونات الوجيهة في المجتمع؟ هل لاحظت موجة التعاطف مع عمّال النظافة بشتّى الأساليب في الآونة الأخيرة؟ في الغالب نعم. هناك ثلاثة أسباب رئيسة تفسّر سلوكيّاتنا اليومية:
أ- نقوم بفعل الشيء لأننا نخاف من عواقبه -كالتزامنا بالسرعة في وجود كاميرات ساهر. أو أننا نقوم بفعل الشيء راجين ثوابًا ما -كأن ننشر صورة كتاب بجانبه كوب قهوة في الإنستجرام فقط لنبدو رائعين أمام أصدقائنا. إذا كان العقاب أو الثواب هو دافعنا للقيام بأي سلوك, فإن هذا السلوك سينقطع في أول فرصة يغيب فيها الحافز. فلو كنّا في طريقٍ لا توجد به كاميرات ساهر, سنعود إلى حيث تهورنا وجنوننا في القيادة, ولو اختفى إنستجرام, سنعيد الكتب إلى رفوفها.
ب- أحيانًا أخرى, نقوم بسلوكٍ ما لأننا فعلًا نؤمن به ونؤمن بالمبدأ الذي يستند إليه. فبعضنا لا يتجاوز الطابور ولا يرمي المخلّفات في الأرض في أي مدينةٍ كان. هنا لا يوجد عقاب ولا ثواب بالضرورة, وإنما يوجد إيمان متأصل. هذا النوع من القناعة الأصيلة هي التي تجعلنا نقوم بسلوكٍ ما بغض النظر عن المحفّزات وفي أي مكانٍ وزمان.
ج- في حالات أخرى, يقوم الفرد بسلوكٍ ما لأنّه رأى شخصية أو مجموعة ذات شعبية تقوم بذلك, فيحاول أن يضم نفسه لتلك الشخصية أو المجموعة الشهيرة. موجة “تصوير السِلفي” التي عصفت بالعالم بعد اللقطة الشهيرة في حفل الأوسكار هي مثال على ما يُسمى في علم النفس الاجتماعي بـ”المحاكاة والمماثلة”, حيث بات إلتقاط “السِلفي” من ميزات الشخصية المعاصرة ذات النَفَس الشبابي, فما كان من الأفراد الطامحين لهذه الرتبة الاجتماعية إلا ركوب الموجة وإلتقاط الملايين من الصور بهذه الطريقة. هنا نلاحظ أنه لا يوجد عقاب ولا ثواب مباشر, ولا توجد قناعة أصيلة بجمالية الفكرة, بل يوجد انتماء لفرقة معيّنة محبوبة اجتماعيًا ولذا ألصقنا أنفسنا بها.
أعتقد أننا نستطيع الآن بسهولة استنتاج أن آلية “المحاكاة والمماثلة” هي التي ساقت الآلاف حول العالم للمشاركة في تحدّي الثلج. فبعدما انتشرت ڤيديوهات لمشاهير كالرئيس بوش وبيل جيتس وأوبرا وينفري وتوم كروز وغيرهم العشرات من نجوم هوليوود ومشاهير الغناء والرياضة, أصطبغ تحدّي الثلج بالصبغة النخبوية, وأخذت الحملة طابعًا عصريًا بقيادة هؤلاء المشاهير. وبطبيعة الحال, ليس هناك أكثر إغراءً من الانتماء لهذه الطبقة المخملية, وإيجاد عوامل مشتركة بيننا الأفراد “العاديين” وبين أثرياء العالم وروّداه.
2) البرهان الاجتماعي
هل حصل في يومٍ من الأيام وتورّطت في كيفية التصرف تجاه أمرٍ معين وبدأت بعد ذلك تنظر للناس من حواليك لتتأكد أنك تفعل مثلهم لئلّا تظهر بمظهر غير لائق؟ هل وصلت مرة إلى مكانِ ما ووقفت في الطابور دون أن تعرف لماذا هؤلاء الناس وقفوا هنا؟ هل تابعت أحدًا لا تعرفه في تويتر فقط لأنك وجدت لديه آلاف المتابعين؟ في الغالب نعم. أنا وأنت نسير في حياتنا اليومية في تناغم مع باقي أعضاء المجتمع. نسعى لأن نمشي وفق المعايير والأذواق التي وضعها لنا المجتمع وأقرّ على القبول بها. فلذا ننظر للناس من حولنا على أنهم مرشدين يأخذون بأيدينا إلى جادة الصواب, ونعتبر أن سلوك الأغلبية هو برهان على صحّة هذا السلوك, فما دام هناك آلاف من الناس قامت بهذا الشيء, فهذا دليل على أنه شيءٌ مقبول وحسن. هذا مبدأ ما يُسمّى بسلوك القطيع أو ظاهرة العقل الجمعي. فالانسان يطمئن أكثر عندما يكون عضوًا في الجماعة, يعرف أن انتمائه للجماعة قوّة وأمان وأن خروجه عنهم خطر على بقائه ووجوده.
المشاركون في تحدي الثلج رأوا في المشاركة انتماءً للمجموعة. شعروا بأن مشاركتهم ضرورية لتحقيق هذا الانتماء. سيتخالجهم شعورٌ بالنبذ والإقصاء لو لم يشاركوا. بطبيعة الحال, هذه أوهام نفسية تصارع الانسان في داخله -الانسان المصاب في ثقته عادةً ما يكون أكثر عرضة لهذه الأوهام - فيضطر للتخلّص من كمية المشاعر السلبية القابعة كالجبل على نفسه ويقرّر المشاركة والسباحة مع التيّار.
3) التعهّد والإلتزام
في كتابه الكلاسيكي: علم نفس الاقناع, يذكر الباحث النفسي (د. روبرت سيالديني) طرقًا عديدة تزيد من احتمالية قيام الناس بما تريده منهم, كشراء سلعتك أو الاقتناع برأيك وغير ذلك مما تريده تمريره على الناس. ومن أبرز الآليات التي أثبتت نفعها في الاقناع هو أن تجعل الشخص الآخر ملتزمًا معك بنوعٍ من التعهّد. الناس عادةً تميل أكثر للوفاء بوعدها وعهدها, فكسر هذه العهود عادةً ما يأتي بكلفة أخلاقية ومشاعر نفسية سلبية.
تحدّي الثلج إستلهم هذه الفكرة وطوّعها بشكلٍ بارع, حيث أنّ من بنود المشاركة في التحدّي هو أن تدعو أحد أصدقائك علنًا إلى هذا التحدّي. هذا بالطبع نوع من التوريط والإلتزام. أصبح العبء كبيرًا على صديقك الآن, خاصة إذا ما عرفنا أنّ خذلان الدعوة هو خذلان لـ”مساعدة مرضى محتاجين” وهنا يتضاعف العبء النفسي. وكذلك لا نستطيع أن نغفل أن الدعوة تمّت في العلن, وهنا يتداخل “تأثير الجماهير” والذي ينص على أن أداء الفرد أمام الجمهور والمشاهدين يكون عادةً أكثر اتقانًا وأكثر جهدًا بسبب الرغبة الجامحة للظهور بشكلٍ مقبول أمام الناس. كل هذه التأثيرات النفسية قادت الكثيرين للمشاركة في تحدّي الثلج حتى لو لم يكونوا على رضا وقناعة تامّة.
4) ضغط الجماعة
لماذا عندما نكون مع بعض زملاء العمل ويتّفقون على الغداء في أحد المطاعم, نقرّر الذهاب معهم حتى لو كنّا غير راغبين في اختيارهم لهذا المطعم؟ لماذا نصمت أحيانًا ونحبس معارضتنا لقرار الأصدقاء وندّعي أن الفكرة حسنة؟
الجماعة المحيطة بنا تشكّل ضغطًا هائلًا على اختياراتنا. هذه القوة تسوقنا للإنصياع للجماعة حتى لو كنّا معارضين للفكرة لأننا نخشى النبذ والاقصاء كما ذكرنا سابقًا. قوة هذا الضغط تتفاوت درجاتها بناءً على عوامل أهمّها:
أ- أن تكون الجماعة مكوّنة من أناس يشبهوننا, أي أنّ زملاءك في العمل وأصدقاءك يشكّلون ضغطًا نفسيًا عليك أعظم من الضغوطات التي ستواجهها لو كنت في اجتماع مع أعضاء فرقة موسيقية لبنانية.
ب- أن تحوي الجماعة أفرادًا ذوي حظوة اجتماعية وشعبية في أوساط المجتمع. أي أنك لو سمعت أنّ هناك مبادرة للتبرع بالدم في مدينتك, وعلمت أن من المتبرعين أمراء وفنّانين ورياضيين, ستتنامى حماسة هائلة لديك للمشاركة والتبرع بدمك. أما لو كان المشاركون في الحملة مقصورين على طلبة المدرسة الثانوية, فعلى الأرجح أنك ستدّعي أنك لم تسمع بهذه الحملة أصلًا.
نلاحظ أن حملة تحدّي الثلج شملت هذين العاملين: على أصدقائك الذين يشبهونك وعلى شخصياتٍ لها شعبيتها في المجتمع. هنا وصل ضغط الجماعة إلى أوجّه, وهنا بات عليك اتخاذ قرار بالمشاركة لتريح هذا الحِمل الثقيل على نفسك وتكون عضوًا بارّا مخلصًا للجماعة.
خاتمة: تذكّر أن هذا الفهم البسيط لآليات علم النفس الاجتماعي أودعَ مئة مليون دولار في حساب منظّمة صغيرة لا يعرفها أحد تُعنى بمرضٍ لا يعرفه أحد.. والآن, هل تعتقد أن بإمكانك تطبيق هذه الآليات على مبادرةٍ خاصةٍ بك؟
،
http://malhajji.net/post/96418658135
https://twitter.com/MidoAlhajji