11- صحبة الأخيار
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد. . .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ واعلموا أن الله بالغ حكمته .. خلق الخلق بتدبيره , وفطرهم بتقديره , فكان من لطيف ما دبَّر وبديع ما قدر، أن خلق الإنسان مطبوعاً على الافتقار إلى جنسه، راغباً في مصاحبة من هم على شاكلته، ميالاً إلى مخالطة أفراد نوعه ومجالسة بني جلدته. وقد جاءت شريعة أحكم الحاكمين ملبية لهذه الحاجة الفطرية التي يصلح بها معاش الناس ومعادهم. ولكنها بينت أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان, فحثت على صحبة المتقين الأبرار، ونهت وحذرت عن صحبة أهل المعاصي والأشرار، وذلك لما للأصحاب من أثر على الدين والعقل والخلق، قال النبي r: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)).
وقد أدرك العلماء والعقلاء أثر الصاحب على صاحبه، فحثوا على صحبة الأخيار، وحذروا من صحبة الأشرار. وقال أبو الدرداء : لصاحب صالح خير من الوحدة والوحدة خير من صاحب السوء. ومن كلام علي رضي الله عنه:
ولا تصحب أخا الجهل وإيـاك وإيـاه
فكم من جاهل أردى حليماً حين يلقاه
يقـاس المـرء بالمرء إذا مـاهو ماشاه
أيها المؤمنون الزموا صحبة الأخيار ومودة المتقين الأبرار الذين تزيدكم صحبتهم استقامة وصلاحاً فإن صحبة هؤلاء تورث الخير في الدنيا والآخرة ولها ثمرات طيبة وآثار مباركة ولذا أمر الله سبحانه نبيه بها فقال جل ذكره: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾.
فمن ثمار صحبة الأخيار، ما أخبر به النبي r حيث قال: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة)).
ومن ثمار صحبة الأخيار أن حضور مجالس الخير معهم سبب لمغفرة الذنوب ففي الصحيحين عن أبي هريرة t في الحديث الطويل: قال رسول الله r: ((إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر)) وفي الحديث أن الله سبحانه وتعالى يسألهم عن مجالس هؤلاء وما يقولون فيها فتقول الملائكة: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك فيقول الله في آخر الحديث: (( أشهدكم أني قد غفرت لهم)) قال: فيقول ملك من الملائكة: . . . . . . فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة فيقول الله تبارك وتعالى: ((وله قد غفرت هم القوم لايشقى بهم جليسهم)). فما أعظم صحبة الأخيار وأطيب عواقبها .
أيها المؤمنون إن من ثمار صحبة الأخيار محبتهم، ومحبتهم سبب لمشاركتهم في خير الدنيا ونعيم الآخرة ففي الصحيحين عن أبي موسى tقال: قيل للنبي r: الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم ؟ قال: r ((المرء مع من أحب)).
ومن ثمار صحبة الأبرار التأثر بهم والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم كما قال النبي r: ((المرء على دين خليله)) وقد صدق القائل:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد. . .
فاتقوا الله عباد الله واحذروا مصاحبة الفساق وأهل المعاصي والأشرار الذين يزينون لكم معصية الله تعالى ويعينونكم على تضييع حقوق الله تعالى بارتكاب المعاصي وترك الواجبات.
احذروا هؤلاء أشد الحذر فإنهم قطاع طريق الهداية يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً فعن المسيب t قال: ((لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء النبي r فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة فقال له النبي r: أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وصاحبه: أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل النبي r يعرضها عليه ويعودان في تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ماقال: هو على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله)) نعوذ بالله من الخذلان ومن جلساء السوء.
فانظر بارك الله فيك كيف أثر جليسا السوء على هذا حتى حالا بينه وبين الجنة وأسلماه إلى النار والعياذ بالله فاحذروا أيها المؤمنون جلساء السوء فإنهم لا يقر لهم قرار، ولا تسكن لهم ساكنة حتى يوقعوكم في معصية الله تعالى ويورطوكم في ترك مافرض الله عليكم، فصحبة الفساق والأشرار قطعة من النار تعقب الضغائن، وتورث الحسرات وتجرئ على المعاصي والسيئات قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ` يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ` لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾.
فليحذر كل واحد منا صغيراً أو كبيراً مصاحبة أهل السوء والريب فإن الصاحب ساحب والطبع سراق.
ولا يغرنك من أصحاب السوء وأهل المعاصي طيب معشرهم أو حلاوة ألسنتهم فالماء قد يصفو منظره وطعمه خبيث فاحذروا أيها المؤمنون مصاحبة هؤلاء في أنفسكم وجنبوا أولادكم وأهليكم مصاحبة أهل الشر فإنهم أكبر أسباب ضياعهم وفسادهم. اللهم إنا نسألك أن تجنبنا الشر وأهله وأن تحفظنا من المعاصي وأهلها.
عباد الله صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة, فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين وعنا معهم بمنك وفضلك يا ارحم الرحمين ..
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك به محمد صلى الله عليه وسلم .. ونستعيذ بك من شر ما استعاذ به محمد صلى الله عليه وسلم ..اللهم أحينا في الدنيا مؤمنين طائعين .. وتوفنا مسلمين تائبين ... اللهم ارحم تضرعنا بين يديك .. وقوّمنا إذا اعوججنا ..وكن لنا ولا تكن علينا .. اللهم نسألك يا غفور يا رحمن يا رحيم ..أن تفتح لأدعيتنا أبواب الاجابه .. اللهم لا تردنا خائبين ..وآتنا أفضل ما يؤتى عبادك الصالحين .. اللهم ولا تصرفنا عن بحر جودك خاسرين ..ولا ضالين ولا مضلين .. واغفر لنا إلى يوم الدين ..برحمتك يا أرحم الرحمين ..
( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) عبادَ اللهِ ،
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون