الأعضاء الإشتراك و التسجيل

الملتقيات
ADs

ويندوز 2010، أشد بأسًا من الفولاذ

ويندوز 2010، أشد بأسًا من الفولاذ


NOTICE

تنبيه: هذا الموضوع قديم. تم طرحه قبل 5184 يوم مضى, قد يكون هناك ردود جديدة هي من سببت رفع الموضوع!

قائمة الأعضاء الموسومين في هذا الموضوع

  1. الصورة الرمزية أسير الدنيا
    أسير الدنيا

    مبتعث مميز Characteristical Member

    أسير الدنيا أستراليا

    أسير الدنيا , ذكر. مبتعث مميز Characteristical Member. من أستراليا , مبتعث فى أستراليا , تخصصى قانون , بجامعة MELBOURNE
    • MELBOURNE
    • قانون
    • ذكر
    • MELBOURNE, VIC
    • أستراليا
    • Sep 2008
    المزيدl

    February 9th, 2010, 12:36 PM

    محمود توفيق حسين
    لجينيات ـ في العام 2012 الميلاديِّ، وفي ليلةٍ باردةٍ من ليالي شهر فبراير، وعلى الحدود المتوتِّرة بين مصر وقطاع غزة، وتحت قمرٍ شحيحٍ، وفي أرضٍ خربةٍ كأنها من سطح القمر، توقَّفتْ محرِّكات العربات العسكريَّة التي تعلوها لاقطات لاسلكيَّة، ونزل الضَّابط الغربيُّ الذي يقود سريةً من سلاح المهندسين، قد تمَّ تكليفها بالعمل تحت إمرة لجنةٍ دوليَّةٍ للتَّفتيش عن أي خروقٍ من الجانب الفلسطينيِّ للجدار الفولاذيِّ الذي ضُرِب بين مصر وغزة تحت الأرض.

    ولقد أشارتِ الأجهزة الحاسوبيَّة المتقدِّمة إلى تجويفٍ ما تحت الأرض هناك، فُوَّهته أسفل تلك الصَّخرة التي أطبقت عليه، يطوِّق رجاله الصَّخرة بحبلٍ، تجرُّها العربة بعيدًا، يثبِّتون سُلَّمًا مكوَّنًا من حبلين متينين وعُقلٍ خشبيةٍ، وملفوفًا على شكل بكرةٍ في خطَّاف العربة الخلفيِّ، ويدلون السُّلَّم في الحفرة المائلة، فيجري فيها.

    قرَّر الضَّابط أن ينزل بنفسه، يضع الحسَّاسات الإلكترونية على ظهره، ويضع عصابةً بها كشَّافٌ ضوئيٌّ على جبهته، ينزل على السُّلَّم بحذرٍ، وأنفه المعقوفة توشك أن تنغرز في الرَّمل الرَّطب، وقد امتلأتْ بهواءٍ لم يتجدَّد منذ مدةٍ طويلةٍ، كان النُّزول مرهقًا؛ فالشِّقُّ ليس رأسيًّا؛ لذا كان يدفع جسده للنزول بيديه.

    ونزل أخيرًا إلى كهفٍ كئيبٍ، وهُيِّئ له أن هناك خفافيش أخذتْ تتلاطم لمَّا اخترق عالمها، حتى توارتْ بالثَّنايا الكثيرة في كل ناحيةٍ، ما زال يسمع طنينًا لخفقان أجنحتها، وبدأ يشعر بخليطٍ من شهوة الاكتشاف لدى الغربيِّ، ورهبة الشَّرقيِّ من حرمة مكانٍ ما، وثمة صمتٌ كأنه من متابعٍ، ووحشةٌ، وأعمدةٌ غريبةٌ من السَّقف إلى الأرض، كأنها لأغصانٍ منذ ما قبل التَّاريخ قد تجمَّع عليها الغبار، والزَّيت، والملح، عصرًا وراء عصرٍ، أو كأنها شعر جنيَّات لم يمشَّط قطُّ.

    الحسَّاسات تشير للأمتار القليلة التي يبعدها الجدار الفولاذي واتِّجاهه، وبينه وبين هذا الاتجاه وتلك الأمتار ممرٌّ صاعدٌّ مخيفٌّ، يصل إلى ما يشبه مقصورةً، هيِّئ له أن أشباحًا يطلُّون عليه منها، حتى إن الحسَّاسات قد التقطتْ نبضات قلبه.

    يرتقي إلى المقصورة، يجد معدَّات حدادةٍ وخراطةٍ بسيطةً، ثمَّ علب تونةٍ وعصيرٍ فارغةً، انتهتْ صلاحيَّتها في 2010، وأحجارًا جيريَّةً وقطع فحمٍ حجريٍّ، ثمَّ ما هذا؟ ينخفض، يدقِّق، يتفحَّص بيده، يردُّها مذعورةً؛ عظام فلسطينيٍّ قضى هنا وعليه بقايا ثيابه وقد تحولت لأسمالٍ، وعليه حذاؤه.

    يهزَّ رأسه للعظام هزةً لا معنى مؤكَّد لها، وجدتُها وجدتها! صاح بها بعد أن نظر فوقه إلى ما يشبه جسرًا يستند إلى الجدار الفولاذيِّ، تحته درجاتٌ حجريَّةٌ، وفوق أرض الجسر بقدمين نوافذُ ثلاثةٌ واضحةٌ له، اثنتان منهما تكفي الواحدة فيهما لمرور رجلين زاحفين جنبًا إلى جنبٍ، والثَّالثة الوسطَى صالحةٌ لأن يمرَّ منها رجلٌ واحدٌ فقط وهو مستقيم العود، وقد كان الغبار هائجًا عند كلِّ نافذةٍ جدًّا، والضَّوء ينزل منها كأنه يسيل بلطفٍ وبشاشةٍ، وتتضح فيها تلك التَّضاريس النَّاشئة عن القطع في الفولاذ بطرقٍ عنيفةٍ.

    مستحيلٌ، مستحيلٌ! لا يمكن لهذه الأدوات البائسة أن تخرق هذا الفولاذ، لا بدَّ أنه استخدم المتفجِّرات، لكن لِمَ مات هنا إن كان قد خرق الجدار؟! بسيطةٌ: وافته المنيَّة، والصَّخرة؟ نعم، ماذا عن الصخرة؟ هناك مثلها في مصر من النَّاحية الثَّانية، كل ما في الأمر أنهم يغطون الآنية، ولعلهم تركوا رفاته؛ حتى إذا انكشف المكان دلَّ على أنه ليس أكثر من مقبرةٍ مات فيها حدَّادٌ عربيٌّ بسيطٌ وطموحٌ.

    ضجَّ مِن هذه الأسئلة وصعد مسرعًا على الدَّرجات الحجريَّة باتِّجاه الوسطَى، وقد سبقه الشَّوق للمرور إلى مصر من خلال الجدار، كاشفًا الخرق، محقِّقًا نجاحًا مهنيًّا.

    صعد حتى واجه النَّافذة الوسطَى، وقد بان له حتى آثار الأقدام على أرض الممرِّ النَّافذ، يقتحمه، يرتد للوراء، آه، آه، آه، اصطدمَ اصطدامًا عنيفًا، سقط أرضًا وقد شُجَّ رأسه، يغيب عن الوعي قليلاً، ثمَّ يُفيق وينزل منثني العود، مستندًا للحائط، وما زال يتأوَّه، وما زال يحمل حسَّاساته، حتى يقف أمام العظام ويحييها.

    أيُّ إيمانٍ هذا أيها الفلسطينيُّ؟! وأيُّ أمنيةٍ؟! أنت حاولتَ أن تنقب الجدار ولم تفلح، ثمَّ حاولتَ ثانيةً أيُّها الحدَّاد ولم تفلح، فرسمتَ هذه النَّوافذ عليه ببراعة الأمل، فخُدِعت فيها أنا وجهازي الحديث الذي لم ينبِّهني لكوني باتِّجاه صدمةٍ رهيبةٍ تنتظرني في نقطةٍ ستتعطَّل عندها حلولنا الرَّقميَّة.

    عزيزي، ليس من المستحيل أن تمرُّوا رغم أنف الهندسة، الآن آمنتُ أن جدران السُّجون تنوء بما يكتبه ويرسمه عليها المظلومون، حتى تنقضَّ، ولو بعد حينٍ.
    إشارة استقبالٍ على جهازه:

    • سيِّدي، هل وجدتَ شيئًا؟

    • أجل، نوافذ الحلم الفلسطينيِّ.

    • نوافذ الحلم الفلسطينيِّ؟!

    • نعم، ويندوز 2010، أشد بأسًا من الفولاذ.

    محمود توفيق حسين
ADs

قم بتسجيل دخولك للمنتدي او

الانضمام لمبتعث

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.