مبتعث مجتهد Senior Member
المملكة المتحدة
monaty , أنثى. مبتعث مجتهد Senior Member. من السعودية
, مبتعث فى المملكة المتحدة
, تخصصى _
, بجامعة _
- اكسفورد, _
- السعودية
- Mar 2007
المزيدl May 14th, 2007, 05:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة لا بد منها
كلنا نتحدث بهدوء عن أخلاقيات الاختلاف، وقد نضع نظريات جميلة من الناحية اللفظية،
لكنَّ القليل منا هم أولئك الذين يستطيعون أن يطبقوا هذه النظريات، ويحولوها
إلى واقع في سلوكهم العملي، وفي علاقاتهم مع الآخرين حينما يختلفون معهم،
ولعل السر في ذلك أننا نلتمس من الآخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا،
لكننا لا نلتمس من أنفسنا الالتزام بهذه الأخلاقيات حينما نختلف معهم.
إننا بحاجة إلى تدريس أدب الخلاف في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا،
وتدريب الشباب والفتيات على ممارسته عملياً؛ ليتحول إلى عادة وإلى عبادة في الوقت ذاته.
أما أنه عبادة؛ فلأنه طاعة لله ورسوله واتباع لسنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وأما أن يتحول إلى عادة؛ فحين يتربى المرء عليه، ويصبح سجية وطبعاً لا يتكلفه، ولا يشق عليه.
ღ♥ღ
أهمية أدب الخلاف
الجميع بحاجة إلى مراعاة أدب الخلاف وأخلاقيات الحوار
* يحتاج إليه الحاكم؛ ليحفظ حقوق رعيته، حتى ممن يختلفون معه؛
* يحتاج إليه العالِم ليحفظ حقوق الطلاب، ويعدل بينهم ويُحسن الظن
بأسئلتهم وإشكالاتهم واعتراضاتهم .
* يحتاج إليه الطالب ليناقش معلمه فيما خفي عنه وما أشكل عليه ,
وفي مناقشة أقرانه فيما فيه مجال للإجتهاد .
* يحتاج إليه الأب تحبُباً إلى قلوب ولده، وعذراً لهم فيما خالفوه فيه،
وإدراكاً أنهم صغار قوم كبار آخرين .
* نعم! نحن نتحدث، ويجب أن نتحدث عن أدب الخلاف،
لكن نحتاج إلى وضع آليات لإدارة الخلاف، الذي يقع بيننا ولابد أن يقع .
ღ♥ღ
ساحات الحوار
عصرنا عصر انفتاح، تكسرت فيه الحدود والسدود، وتحطمت الحواجز، يحكى عن بشر بن مروان- وكان يُظنُّ به
شيء من الغفلة - أنه ضاع له صقر في المدينة؛ فأمر بإغلاق أبوابها لئلا يذهب الصقر،
ونسي أنه يطير في الفضاء.
نحن اليوم في عصر الفضاء، وفي عصر الإنترنت، حتى الحكومات أدركت أن أسلوب المنع والحظر
والتشويش لم يعد يجدي، وأن الحل الوحيد هو النزول إلى الميدان، ومقابلة الحجة بالحجة.
مجالس الناس أصبحت اليوم عامرة بالمتناقضات، من الآراء والتوجهات والأقاويل،
مما يعتقدون وما لا يعتقدون، وما يدركون وما لا يدركون، ولم يعد مُجدياً تسفيه الآخرين
مهما تكن ضحالة أفكارهم، أو تفاهة حججهم، بل لابد من الاستماع إليهم، ومنحهم الأهمية والاحترام،
ومقارعة الفكر بالفكر، فالتناسب بين الداء والدواء ضروريٌ حتى يتقبل الجسم العلاج، وينتفع به.
لقد أصبح الإنترنت وساحات الحوار ـ وهي كثيرة جداً تعد بالمئات باللغة العربية،
فضلا عن التعليقات في كل مواقع الإنترنت ـ مرآةً تكشف الخلل الكبير في آلية الحوار،
وفي تجاهل الكثيرين لدائرة المتفق عليه بين المؤمنين والمسلمين، وأهل العلم، وأهل
الدعوة، وأهل السنة، وهي دائرة واسعة جداً ، سواءً فيما يتعلق بالدين وفهمه،
أو فيما يتعلق بالمصلحة وإدراكها وتحقيقها، أصبح هناك تجاهل كبير لدائرة المتفق عليه،
وعمل واسع على دائرة المختلف فيه،
ღ♥ღ
وترتب على ذلك سلبيات في هذا الحوار الإلكتروني كثيرة، منها:
1) إن لم تكن معي فأنت ضدي، أو بمعنى آخر إما صفر أو مائة في المائة؛
فهناك المفاصلة بل والمقاصلة، بمجرد أن أكتشف أن بيني وبينك نوعاً من الاختلاف أو التفاوت ـ حتى
لو كان في مسائل جزئية أو صغيرة ـ نتحول إلى أعداء ألداء، بدلاً من أن نكون أصدقاء أوفياء.
2) الخلط بين الموضوع والشخص؛ فيتحول نقاش موضوع معين، أو فكرة،
أو مسألة إلى هجوم على الأشخاص، وتجريح واتهام للنيّات، واستعراض لتاريخ هذا الإنسان أو ذاك،
وبالتالي تتحول كثير من الساحات إلى محيط للفضائح والاتهامات وغيرها من الطعون غير المحققة.
3) تدنّي لغة الحوار، وبدلاً من المجادلة بالتي هي أحسن تتحول
إلى نوع من السب والشتم، وكما يقول الأئمة الغزالي, وابن تيمية, والشاطبي,
وغيرهم أنه لو كان النجاح والفلاح بالمجادلة بقوة الصوت والصراخ أو بالسب والشتم لكان الجهلاء
أولى بالنجاح فيه، وإنما يكون النُّجْحُ بالحجة والهدوء، وفي المثل: العربة الفارغة أكثر جَلَبَةً
وضجيجاً من العربة الملأى.
4) القعقعة اللفظية؛ التي نحقق بها أوهام الانتصارات الكاسحة على أعدائنا،
ونحرك بها مسيرة التنمية والإصلاح لمجتمعاتنا زعماً وظناً، وقد تسمع من يقول لك: كتب فلان مقالاً قوياً،
فتنتظر من هذا المقال أن يكون مقالاً عميقاً، أبدع فيه وأنتج، وخرج بنتيجة جيدة،
أو أحصى الموضوع من جوانبه؛ فإذا بك تجده مقالاً مشحوناً بالألفاظ الحادة
والعبارات الجارحة ، التي فيها الإطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون معه؛
فهذا سر قوة هذا المقال عند بعضهم.
5) الأحادية، وأعني بها: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"
بحيث يدور الشخص حول رأيه ووجهة نظره، التي ليست شرعاً منزلاً من عند الله تعالى،
ولا قرآناً يُتلى، ولا حديثاً، ولا إجماعاً، وإنما هو رأي قصاراه أن يكون صواباً.
6) القطعية؛ وأعني بها قولي صواب لا يحتمل الخطأ،
وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب .
7) ثم هناك التسطيح والتبسيط،فالأشياء التي لا نفهمها أو يشق علينا فهمها،
أو تحتاج إلى روية وتأمل وتدبر، هي أشياء خاطئة ومخالفة للحق، ومخالفة للسنة،
بينما الأشياء البسيطة السطحية السهلة الفهم يُخيل إلينا أن فيها الحق والصواب، وأنها الموافقة للكتاب،
وهكذا ما تجده في القنوات الفضائية، فكم من برامج الحوارات التي تُدار, ويتناطح فيها أقوامٌ
من كافة الاتجاهات والمذاهب والمشارب؛ فتجد الصخب واللجاج، وانتفاخ الأوداج، والصفاقة والإحراج .
وخذ إليك بعض الأمثلة التي وقفت عليها هنا أو هناك:
* فلانٌ لا كرامة له عند الله تعالى، وعند كل موحدٍ لله العظيم.
فانظر الجراءة على الله سبحانه وتعالى وعلى عباده الصالحين، وأن تتحول أذواقنا،
أو مشاعرنا السلبية تجاه هذا الشخص الذي لا نحبه أو لا نحترمه إلى الحكم على منزلته عند الله وعند أولياءه.
* فلان مات؛ فإلى جهنم وبئس المصير .
وقد تُقال هذه الكلمة في حق إمام عظيم، أو شيخ فاضل، أو داعية صادق، أو مؤمن نحسبه والله حسيبه،
ولكنَّ الذين لا يفقهون يتجرءون ويطلقون ألسنتهم ولا يتورعون.
* فلانٌ منحرف في العقيدة مفتون في نفسه ،
وقد يكون أصفى من القائل عقيدة،
وأصدق منه مذهباً، وأقوم بالكتاب والسنة.
* فلان من المنافقين،
وكأن صاحبنا أخذ من حذيفة بن اليمان؛
بل كأنه تلقى من جبريل الأمين،وهذا كله يقتضي تزكية النفس، والثناء عليها بشكل مباشر أو غير مباشر؛
فيقول عن نفسه: إنه من الناجين، ومن المؤمنين الصادقين، ومن المخلصين،
وإنه أغير على دين الله وأنصح لعباده، وماذا تتوقع أن يكون الحوار إذا اعتقد كل طرف أن ما هو
عليه صواب قطعي، وأن ما عليه خصمه خطأ قطعي؟
وقد تكون المسألة كلها محل نظر وتردد، وليس فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحتى في حالة القطع حينما يكون ما تقوله صواباً قطعاً، وما يقوله الآخر خطأً قطعاً؛
فإن من الحكمة أن تبدأ الدعوة والحوار بدائرة المتفق عليه،
كما علمنا ربنا عز وجل: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ
بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"[آل عمران:64]،
بل علمنا الله -تبارك وتعالى- أعظم من هذا في قوله سبحانه وتعالى : "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ"[سبأ25:24] ؛
فانظر كيف عبر بلفظ الإجرام "لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا"، أما ما يعمله الآخرون
فقال: "وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ" وهذا من باب التنزل للخصم كما يُقال، وقال الله سبحانه
وتعالى: "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً"[الإسراء:84].
المرجع : كيف نختلف - الشيخ سلمان بن فهد العودة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك على النق الطيب ، بالفعل الموضوع رائع وللاسف لم ارى ان هناك اقبال عليه كما يستحق
نسأل الله لنا الهداية جميعا ، ونسأله جلّ جلاله ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
اللهم وحد كلمة المسلمين وثبت صفوفهم وانصرهم .
شكرا لك منى ولاحرمنا الله من مواضيعك الجميلة .
Abo_M7mad May 14th, 2007, 06:54 AM
7 "
May 14th, 2007, 05:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة لا بد منها
كلنا نتحدث بهدوء عن أخلاقيات الاختلاف، وقد نضع نظريات جميلة من الناحية اللفظية،
لكنَّ القليل منا هم أولئك الذين يستطيعون أن يطبقوا هذه النظريات، ويحولوها
إلى واقع في سلوكهم العملي، وفي علاقاتهم مع الآخرين حينما يختلفون معهم،
ولعل السر في ذلك أننا نلتمس من الآخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا،
لكننا لا نلتمس من أنفسنا الالتزام بهذه الأخلاقيات حينما نختلف معهم.
إننا بحاجة إلى تدريس أدب الخلاف في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا،
وتدريب الشباب والفتيات على ممارسته عملياً؛ ليتحول إلى عادة وإلى عبادة في الوقت ذاته.
أما أنه عبادة؛ فلأنه طاعة لله ورسوله واتباع لسنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وأما أن يتحول إلى عادة؛ فحين يتربى المرء عليه، ويصبح سجية وطبعاً لا يتكلفه، ولا يشق عليه.
ღ♥ღ
أهمية أدب الخلاف
الجميع بحاجة إلى مراعاة أدب الخلاف وأخلاقيات الحوار
* يحتاج إليه الحاكم؛ ليحفظ حقوق رعيته، حتى ممن يختلفون معه؛
* يحتاج إليه العالِم ليحفظ حقوق الطلاب، ويعدل بينهم ويُحسن الظن
بأسئلتهم وإشكالاتهم واعتراضاتهم .
* يحتاج إليه الطالب ليناقش معلمه فيما خفي عنه وما أشكل عليه ,
وفي مناقشة أقرانه فيما فيه مجال للإجتهاد .
* يحتاج إليه الأب تحبُباً إلى قلوب ولده، وعذراً لهم فيما خالفوه فيه،
وإدراكاً أنهم صغار قوم كبار آخرين .
* نعم! نحن نتحدث، ويجب أن نتحدث عن أدب الخلاف،
لكن نحتاج إلى وضع آليات لإدارة الخلاف، الذي يقع بيننا ولابد أن يقع .
ღ♥ღ
ساحات الحوار
عصرنا عصر انفتاح، تكسرت فيه الحدود والسدود، وتحطمت الحواجز، يحكى عن بشر بن مروان- وكان يُظنُّ به
شيء من الغفلة - أنه ضاع له صقر في المدينة؛ فأمر بإغلاق أبوابها لئلا يذهب الصقر،
ونسي أنه يطير في الفضاء.
نحن اليوم في عصر الفضاء، وفي عصر الإنترنت، حتى الحكومات أدركت أن أسلوب المنع والحظر
والتشويش لم يعد يجدي، وأن الحل الوحيد هو النزول إلى الميدان، ومقابلة الحجة بالحجة.
مجالس الناس أصبحت اليوم عامرة بالمتناقضات، من الآراء والتوجهات والأقاويل،
مما يعتقدون وما لا يعتقدون، وما يدركون وما لا يدركون، ولم يعد مُجدياً تسفيه الآخرين
مهما تكن ضحالة أفكارهم، أو تفاهة حججهم، بل لابد من الاستماع إليهم، ومنحهم الأهمية والاحترام،
ومقارعة الفكر بالفكر، فالتناسب بين الداء والدواء ضروريٌ حتى يتقبل الجسم العلاج، وينتفع به.
لقد أصبح الإنترنت وساحات الحوار ـ وهي كثيرة جداً تعد بالمئات باللغة العربية،
فضلا عن التعليقات في كل مواقع الإنترنت ـ مرآةً تكشف الخلل الكبير في آلية الحوار،
وفي تجاهل الكثيرين لدائرة المتفق عليه بين المؤمنين والمسلمين، وأهل العلم، وأهل
الدعوة، وأهل السنة، وهي دائرة واسعة جداً ، سواءً فيما يتعلق بالدين وفهمه،
أو فيما يتعلق بالمصلحة وإدراكها وتحقيقها، أصبح هناك تجاهل كبير لدائرة المتفق عليه،
وعمل واسع على دائرة المختلف فيه،
ღ♥ღ
وترتب على ذلك سلبيات في هذا الحوار الإلكتروني كثيرة، منها:
1) إن لم تكن معي فأنت ضدي، أو بمعنى آخر إما صفر أو مائة في المائة؛
فهناك المفاصلة بل والمقاصلة، بمجرد أن أكتشف أن بيني وبينك نوعاً من الاختلاف أو التفاوت ـ حتى
لو كان في مسائل جزئية أو صغيرة ـ نتحول إلى أعداء ألداء، بدلاً من أن نكون أصدقاء أوفياء.
2) الخلط بين الموضوع والشخص؛ فيتحول نقاش موضوع معين، أو فكرة،
أو مسألة إلى هجوم على الأشخاص، وتجريح واتهام للنيّات، واستعراض لتاريخ هذا الإنسان أو ذاك،
وبالتالي تتحول كثير من الساحات إلى محيط للفضائح والاتهامات وغيرها من الطعون غير المحققة.
3) تدنّي لغة الحوار، وبدلاً من المجادلة بالتي هي أحسن تتحول
إلى نوع من السب والشتم، وكما يقول الأئمة الغزالي, وابن تيمية, والشاطبي,
وغيرهم أنه لو كان النجاح والفلاح بالمجادلة بقوة الصوت والصراخ أو بالسب والشتم لكان الجهلاء
أولى بالنجاح فيه، وإنما يكون النُّجْحُ بالحجة والهدوء، وفي المثل: العربة الفارغة أكثر جَلَبَةً
وضجيجاً من العربة الملأى.
4) القعقعة اللفظية؛ التي نحقق بها أوهام الانتصارات الكاسحة على أعدائنا،
ونحرك بها مسيرة التنمية والإصلاح لمجتمعاتنا زعماً وظناً، وقد تسمع من يقول لك: كتب فلان مقالاً قوياً،
فتنتظر من هذا المقال أن يكون مقالاً عميقاً، أبدع فيه وأنتج، وخرج بنتيجة جيدة،
أو أحصى الموضوع من جوانبه؛ فإذا بك تجده مقالاً مشحوناً بالألفاظ الحادة
والعبارات الجارحة ، التي فيها الإطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون معه؛
فهذا سر قوة هذا المقال عند بعضهم.
5) الأحادية، وأعني بها: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"
بحيث يدور الشخص حول رأيه ووجهة نظره، التي ليست شرعاً منزلاً من عند الله تعالى،
ولا قرآناً يُتلى، ولا حديثاً، ولا إجماعاً، وإنما هو رأي قصاراه أن يكون صواباً.
6) القطعية؛ وأعني بها قولي صواب لا يحتمل الخطأ،
وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب .
7) ثم هناك التسطيح والتبسيط،فالأشياء التي لا نفهمها أو يشق علينا فهمها،
أو تحتاج إلى روية وتأمل وتدبر، هي أشياء خاطئة ومخالفة للحق، ومخالفة للسنة،
بينما الأشياء البسيطة السطحية السهلة الفهم يُخيل إلينا أن فيها الحق والصواب، وأنها الموافقة للكتاب،
وهكذا ما تجده في القنوات الفضائية، فكم من برامج الحوارات التي تُدار, ويتناطح فيها أقوامٌ
من كافة الاتجاهات والمذاهب والمشارب؛ فتجد الصخب واللجاج، وانتفاخ الأوداج، والصفاقة والإحراج .
وخذ إليك بعض الأمثلة التي وقفت عليها هنا أو هناك:
* فلانٌ لا كرامة له عند الله تعالى، وعند كل موحدٍ لله العظيم.
فانظر الجراءة على الله سبحانه وتعالى وعلى عباده الصالحين، وأن تتحول أذواقنا،
أو مشاعرنا السلبية تجاه هذا الشخص الذي لا نحبه أو لا نحترمه إلى الحكم على منزلته عند الله وعند أولياءه.
* فلان مات؛ فإلى جهنم وبئس المصير .
وقد تُقال هذه الكلمة في حق إمام عظيم، أو شيخ فاضل، أو داعية صادق، أو مؤمن نحسبه والله حسيبه،
ولكنَّ الذين لا يفقهون يتجرءون ويطلقون ألسنتهم ولا يتورعون.
* فلانٌ منحرف في العقيدة مفتون في نفسه ،
وقد يكون أصفى من القائل عقيدة،
وأصدق منه مذهباً، وأقوم بالكتاب والسنة.
* فلان من المنافقين،
وكأن صاحبنا أخذ من حذيفة بن اليمان؛
بل كأنه تلقى من جبريل الأمين،وهذا كله يقتضي تزكية النفس، والثناء عليها بشكل مباشر أو غير مباشر؛
فيقول عن نفسه: إنه من الناجين، ومن المؤمنين الصادقين، ومن المخلصين،
وإنه أغير على دين الله وأنصح لعباده، وماذا تتوقع أن يكون الحوار إذا اعتقد كل طرف أن ما هو
عليه صواب قطعي، وأن ما عليه خصمه خطأ قطعي؟
وقد تكون المسألة كلها محل نظر وتردد، وليس فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحتى في حالة القطع حينما يكون ما تقوله صواباً قطعاً، وما يقوله الآخر خطأً قطعاً؛
فإن من الحكمة أن تبدأ الدعوة والحوار بدائرة المتفق عليه،
كما علمنا ربنا عز وجل: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ
بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"[آل عمران:64]،
بل علمنا الله -تبارك وتعالى- أعظم من هذا في قوله سبحانه وتعالى : "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ"[سبأ25:24] ؛
فانظر كيف عبر بلفظ الإجرام "لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا"، أما ما يعمله الآخرون
فقال: "وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ" وهذا من باب التنزل للخصم كما يُقال، وقال الله سبحانه
وتعالى: "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً"[الإسراء:84].
المرجع : كيف نختلف - الشيخ سلمان بن فهد العودة