مملكه هوليود تثير غضب السعوديين

October 28th, 2007, 09:13 PM

ربما يكون العمل السينمائي "المملكة" الذي يعرض حاليا في صالات السينما الأمريكية والعالمية أول فيلم في تاريخ العلاقة بين هوليوود والعرب يتناول السعوديين بشكل واضح، لدرجة أن اسم الفيلم ومضمونه يرتبطان مباشرة بالمملكة العربية السعودية.
ولكن هل كانت هذه المواجهة الأولى بين هوليوود والعرب؟ وهل يصح تسمية "مواجهة" على العلاقة التي تربط رؤية هوليوود للعرب؟ أم أنها علاقة أحادية الاتجاه تصب في مصلحة هوليوود ورؤيتها دوما؟.
نبدأ من حيث انتهت هوليوود، من فيلم "المملكة" الذي يقدم قصة مجمع سكني للأجانب في مدينة الرياض السعودية يتعرض لهجوم إرهابي يودي بحياة عدد من المواطنين الأمريكيين القاطنين فيه، ومن ضمنهم أحد ضباط المباحث الفدرالية الأمريكية.
وإثر هذا الحادث تقوم المباحث الفيدرالية الأمريكية بإرسال أربعة من ضباطها لمساعدة أجهزة الأمن السعودي في التحقيق في هذا الحادث الإرهابي وملاحقة الجناة.
وهنا تبدأ أحداث الفيلم الرئيسة مع وصول ضباط المباحث الأمريكية للأراضي السعودية، حيث ينشأ نوع من تضارب الصلاحيات بين السعوديين الذين يرون أحقيتهم في تحقيق الأمن في أراضيهم والأمريكيين الذين يرون في القضية مواجهة بينهم وبين الخلايا الإرهابية وإن كانت خارج بلدهم.
ما يهمنا في الفيلم هو الصورة التي قدمت بها هوليوود أو مخرج العمل السعوديين أفرادا وعناصر أمن ومسؤولين. أما الأفراد السعوديون فيبدو الفيلم غير معني بهم بتاتا، إذ لم نلحظ ظهور أفراد سعوديين يمثلون شريحة من المواطنين إلا كأدوار هامشية في الفيلم أو على خلفية الأحداث.
أما عناصر الأمن السعودية، فقد بدت الشريحة الأكثر ظهورا في الفيلم ممثلة في اتجاهين، أحدهما يمثله الضابط "الغازي" الذي يؤمن بأهمية الحوار ويعمل بعقلية منفتحة وهو بالطبع يتحدث اللغة الإنجليزية بشكل جيد، ويشكل حلقة الوصل والتعاون مع الأمريكيين. والآخر يمثله الضابط "عبد المالك" الذي لا يتقن بالطبع سوى لغة القوة، يتخذ موقفا معاديا ومتشككا من الآخر، كما أنه بطبيعة الحال لا يتقن اللغة الإنجليزية، وبالتالي سيفشل في الوصول للإرهابيين الذين وصل لهم الأمريكيون بمعاونة الضابط المنفتح بسرعة وذكاء.
مغازلة المزاج الأمريكي
لن أتطرف في الحكم على العمل لأقول إنه معني بمهاجمة أو تشويه الصورة السعودية لدى الشعب الأمريكي. فهو لا يعدو كونه فيلم حركة هوليوودي لا أكثر تم استبدال الأشرار التقليديين فيه من تجار المخدرات أو أفراد العصابات بما استجد على الساحة مؤخرا، وهو الجماعات والخلايا الإرهابية في محاولة لمغازلة المزاج الأمريكي العام الذي تعود على الضابط الأمريكي الذي لا يقبل الهزيمة مطلقا.
ولكن ما يزيد على كونه فيلم حركة تقليدي هو تلك الرؤية -حسنة النية- ربما التي أطلقها المخرج متمثلة في دعوة السعوديين إلى التعاون مع الأمريكيين لتحقيق أمن الطرفين باعتبار الإرهاب يمثل عدوا مشتركا لكلا الشعبين.
ما أفسد هذه الدعوة -حسنة النية- أنها جاءت من البرج العاجي الأمريكي الذي يستفز بقية شعوب الأرض. فالفيلم لم يعرض تعاونا بين الأمن السعودي ونظيره الأمريكي في سبيل تحقيق العدالة، وإنما استعرض شيئا من تخبط جهاز الأمن السعودي في مواجهة الإرهابيين -حسب منظور الفيلم- حتى على مستوى المسؤولين السعوديين، بانتظار وصول الفرقة الأمريكية المكونة من أربعة أفراد لتتمكن من القبض على الإرهابيين في أيام بل ربما ساعات قليلة.
إرهاب أم جين وراثي
أمر آخر أفسد هذه الدعوة تماما وجعلها منتهية الصلاحية قبل بدايتها، وهو آخر مشاهد الفيلم، حيث يمرر الفيلم فكرة أن الإرهاب أشبه بالجين الوراثي في بعض السعوديين لا يمكن التخلص منه! ففي آخر حياة "أبو حمزة" زعيم التنظيم الإرهابي والذي يسقط برصاص الضابط السعودي "الغازي" يسر بكلمة إلى حفيده الصغير، الذي يفشيها في آخر الفيلم بأن جده أسر له "سوف نقتلهم جميعا" يعني الأمريكيين! لقد أفسد الفيلم بهذه العبارة أي محاولة اقتراب بين المشاهد الأمريكي المستهدف الأول بالفيلم وبين المجتمع السعودي الذي يورث بعض أفراده الإرهاب للأجيال القادمة ليقتلوا الأمريكيين.
ما يخفف وقع الفيلم علي شخصيا كمشاهد أن هوليوود تحديدا لم تزل منذ تأسيسها وهي تتخذ من المزاج الأمريكي العام مصدرا لاستقاء أعداء الأبطال في الأفلام. فقبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية كان الألماني ولا يزال حتى اليوم في بعض الأفلام العدو اللدود للشعب الأمريكي، ويمثل دور العنصري الجشع الذي يسفك الدماء بكل برود.
وإبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي كان الروسي هو الشرير الأبرز في هوليوود، يشاطره في بعض الأحيان الصيني باعتبار الصين قوة عظمى تهدد الوجود الثقافي والسياسي الأمريكي. لحقهم بعد ذلك الفرنسي حين أبدت فرنسا بعض التشدد تجاه الولايات المتحدة بعد سقوط القطب العالمي الثاني -الاتحاد السوفييتي- لخلق شيء من توازن القوى. وأخيرا أتحفتنا هوليوود بفيلم "300" الذي أثار حفيظة الإيرانيين بتعرضه لمعركة تاريخية وقعت بين الفرس والإغريق بشكل أظهر الجيش الفارسي بهمجية أكلة لحوم البشر وليس كجيش ينتمي لحضارة ضاربة في جذور التاريخ.
هذا الاستعراض لتاريخ العداء الذي تمارسه هوليوود مع العالم يجعل من التعرض للعرب في بعض أفلام هوليوود شيئا متفهما وجزءا من تركيبة العقلية الثقافية الأمريكية الشعبية التي تتأثر بتضخيم الإعلام لأعداء الولايات المتحدة والتي غالبا ما تكون مبنية على أجندة سياسية.
وبالرغم من كل هذا الزخم الهوليودي العالمي إلا أن السينما الأمريكية باعتبارها أوسع من هوليوود التي تمثل نطاقا مهما بلا شك من السينما الأمريكية لكنها ليست الكل، حيث لا تزال توجد نماذج مشرقة لأفلام أمريكية محايدة تسعى للوقوف على حقيقة ما يجري وكشف خداع الإدارة السياسية الأمريكية لشعبها. لعل من أبرزها الفيلم القادم للنجم "نيكولاس كيج" مع المخرج الفلسطيني "هاني أبو أسعد" حيث يصور مشاعر أب أمريكي مسلم تم اختطاف ابنه من أحد المطارات الأمريكية ليتم ترحيله لبلد عربي حيث يجري هناك التحقيق معه بعنف لاستخراج بعض المعلومات التي تعتقد المخابرات الأمريكية أنها مهمة وذلك بحسب ما أعلنت صحيفة "ذا فريتي" الأمريكية.

• نشر عبر تويتر
• نشر عبر فيسبوك
• نشر عبر جوجل