April 19th, 2008, 11:54 AM
- فيليب ستيفنز -
13/04/1429هـ
الإرهابيون ليسوا سواء. هناك جانب ممتع وشيق في المحادثات التي جلبت السلام إلى إيرلندا الشمالية ـ التي تم نشر محاضرها في الذكرى العاشرة لاتفاقية بلفاست ـ يبدأ بتحذير مفيد: الخبرة المكتسبة في إقناع الجيش الجمهموري الإيرلندي بمبادلة السلاح بصندوق الاقتراع يجب ألا يتم تطبيقها دون تمييز على الصراعات الأخرى.*
مؤلف الكتاب الذي وردت فيه هذه الجزئية، جوناثان باول، كان حتى العام الماضي يشغل منصب رئيس الموظفين في إدارة توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، وهو شخص قضى مدة هي الأطول في هذا المنصب. كان باول شخصية محورية خلف الكواليس في العملية التي استمرت عقداً من الزمان وشهدت توصل الجمهوريين والوحدويين في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية.
هذا السرد الذي كتبه شخص ملم بالأمور توصل إلى نتيجة مفادها أن من الممكن استخلاص بعض الدروس العامة التي يمكن أن تصلح في أماكن أخرى. فالحكومات الديمقراطية، مثلا، يجب أن تكون دائماً راغبة في إجراء محادثات، وإن تكن أحياناً في السر، مع أعدائها، حتى عندما تكون مثل هذه الاتصالات مؤذية للشعور العام. ولو كان باول لا يزال موجوداً في 10 دوانينج ستريت، لكان قد ساند إجراء حوار مع حماس.
ويؤيد باول ذلك بالقول إن هذا صحيح. فإجراء محادثات لا يعني الاستسلام – وهو في واقع الأمر ليس كالتفاوض. فإذا وضعت الجماعات الإرهابية السلاح جانباً، يصبح لزاماً أن يظل كل شخص داخل الغرفة. ويتطلب ذلك انتباهاً دائماً وانخراطاً دائماً. فالنجاح الذي تحقق في إيرلندا الشمالية في نهاية الأمر جاء من خلال استراتيجية تقوم على "عدم ترك المحادثات تتوقف على الإطلاق". وهناك درس أخلاقي يمكن استنباطه من جهود الإدارة الأمريكية للتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين للتوصل إلى سلام، وهي جهود ظلت تتوقف ثم تواصل المسير.
لكن إيرلندا الشمالية ليست فلسطين، أو لبنان، أو منطقة الباسك. فكل صراع مرتبط بتاريخه وبالمظالم الخاصة به. والبعض دائماً ما يكون لديهم قابلية أكثر من غيرهم لإجراء مفاوضات سياسية. وهذا على وجه التحديد هو أكبر درس تم نسيانه في المواجهة بين الغرب والإسلاميين المتطرفين. فإذا كان المتطرفون ليسوا سواء، فإن المسلمين ليسوا سواء.
جون ماكين صحح في اليوم التالي ما قاله حول اتهامه الشيعة في إيران بتوفير الأرض لتدريب جماعة القاعدة السنية. هذا الخطأ تسبب في إحراج مرشح الرئاسة الجمهوري، لكنه ليس أول شخص يرتكب مثل هذا الخطأ.
هذه الملاحظة تحدثت عن الافتراض الموجود لدى إدارة جورج بوش، ومن وراءها، بأن الأعداد الهائلة من الصراعات في العالم الإسلامي يمكن جميعها ووضعها في ملف واحد على نحو مريح. ويعني ذلك قبول ما يقوله أسامة بن لادن من أن الصراع هو صراع وجود بين الإسلام والغرب. ولا يوجد شيء محسوب أكثر من ذلك لمساعدة من يحملون الأفكار غير التصالحية، ولا شيء يجعل قطع الدعم عن العنف أصعب.
أوضح تعبير عن هذا الخطأ هو إصرار الولايات المتحدة على القول إنها تخوض حرباً على الإرهاب، وما صاحب ذلك من عبارة التحذير التي قالها بوش من أن أي شخص يجب أن يختار: "معنا أو ضدنا".
كان بلير يتحدث في بعض الأحيان بأفكار المانويين (أسود وأبيض) نفسها، ما يثير صراعاً فكرياً عالمياً يمكن أن يصحبنا لعدة أجيال مقبلة. وكان القصد من ذلك هو خلق انطباع بوجود تجانس بين المجموعات المسلحة في العالم الإسلامي ما يجافي الحقائق المتعلقة باختلاف أهدافها واختلاف وسائلها.
وعندما يشير السياسيون الغربيون، أمثال بلير، إلى "صراع الحضارات" فإنهم بذلك يعطون عن قصد، أو غير قصد، انطباعاً عن مجتمع مسلم معادي بالفطرة لقيم وطموحات المجتمع الغربي. وفي واقع الحياة المعاشة، هناك الكثير من النور والظلام. فليس كل المسلمين – حتى وسط أولئك الذين لديهم استعداد لاستخدام العنف لتحقيق اهدافهم – يفكرون بنفس الطريقة.
فهناك أعداد كبيرة من المسلمين يعبرون بالفعل عن كراهيتهم لأمريكا والمملكة المتحدة، لكن آراءهم تتعلق إلى حد كبير بالسياسات التي تتبعها هاتان الحكومتان أكثر من كونه عداءً فطرياً لكل ما هو غربي. وهناك أدلة جديدة مفيدة على هذا التغاير تم تقديمها في دراسة تم نشرها للتو من قبل مؤسسة جالوب، استندت إلى مقابلات تم إجراؤها مع آلاف المسلمين في 35 دولة**.
أحد الأشياء التي وجدتها الدراسة أن المسلمين لا ينظرون إلى الغرب باعتباره كيانا واحدا، فضلاً عن كونه العدو الأوحد. فنحو ثلاثة أرباع المصريين، مثلا، يقولون إن لديهم فكرة سيئة عن الولايات المتحدة، ومع ذلك هناك نسبة الخُمس فقط التي تظهر الكراهية نفسها لفرنسا. وثلثا الكويتيين أظهروا بعض العداء تجاه الولايات المتحدة، أما تجاه كندا فالنسبة 3 في المائة. و45 في المائة من اللبنانيين يعتقدون أن البريطانيين "عدوانيون"، لكن هناك أقل من العُشر يقولون الشيء نفسه عن ألمانيا وفرنسا.
الاتهام الأكثر انتشاراً لدى المسلمين ضد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو الاتهام باستخدام معايير مزدوجة. وليس هناك جديد أو شيء مستغرب هنا. فقبل بضع سنوات، كنت أبحث إلكترونياً في الملفات المتاحة للاطلاع، الموجودة في أرشيف الأمن الوطني الذي يوجد مقره في واشنطن، فعثرت على سلسلة من البرقيات مكتوبة من ممثلين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال الخمسينيات من القرن الماضي.
ومن الغريب أن الرسالة الأساسية التي لخصتها مذكرة كتبها رئيس البعثة الأمريكية في المملكة العربية السعودية لرؤسائه في واشنطن كانت معروفة. قال هذا الدبلوماسي الكبير محذراً، إن فكرة أمريكا عن نفسها أنها منارة للحرية في العالم، تجلس في وضع غير مريح بجانب سياستها الواقعية. هل يبدو ذلك أمراً معتاداً؟
الدراسة التي أجرتها "جالوب" تظهر أيضاً أن المسلمين، عموماً، يشتركون مع الغرب في الكثير من الطموحات. فالأمن الوظيفي والرخاء والمستقبل الأفضل للأطفال تأتي في أعلى قائمة أولوياتهم. وهم يضعون التقنية والمعرفة في المقام الأول عندما يوجه إليهم السؤال عما هو أكثر ما يعجبهم في الغرب. وتأتي الحرية والديمقراطية في المرتبة الثانية. وطرحت "جالوب" السؤال نفسه على الأمريكيين وحصلت على الإجابة نفسها.
إبراز مثل هذه النقاط لا يعني القول إن الأصولية الإسلامية التي تعتنقها القاعدة والمنظمات المرتبطة بها لا تقل عن كونها تهديداً خطيراً. فهناك عدد كبير من الإسلاميين الخطرين الذين ينبغي أن يتم التعامل معهم فقط بالقوة العسكرية. كما يجب ألا تكون السياسة الغربية أسيرة لتأثيرها على الفكر الإسلامي. فإخراج القاعدة من أفغانستان هو الإجراء السليم الذي ينبغي القيام به.
ومع ذلك، فإن وجود توجه فكري يجمع بين حزب الله، والقاعدة، وحماس، والمليشيا الشيعية في العراق، أو الأكراد الانفصاليين مع طالبان تحت قاعدة أن الصراع واحد هو ما تطلبه القاعدة. إن ذلك يستبعد وجود مظالم حقيقية ويتجاهل تأثير سياسة الغرب ويستبعد أي احتمال لكسب بعض المتطرفين وإدخالهم في المعترك السياسي.
إن تغيير الإدارة في واشنطن يعطي الولايات المتحدة وأصدقاءها فرصة للتمعن وإعادة النظر في الأمور. ونقطة البداية هي التوقف عن الحديث عن الحرب.
April 19th, 2008, 11:54 AM
- فيليب ستيفنز - 13/04/1429هـالإرهابيون ليسوا سواء. هناك جانب ممتع وشيق في المحادثات التي جلبت السلام إلى إيرلندا الشمالية ـ التي تم نشر محاضرها في الذكرى العاشرة لاتفاقية بلفاست ـ يبدأ بتحذير مفيد: الخبرة المكتسبة في إقناع الجيش الجمهموري الإيرلندي بمبادلة السلاح بصندوق الاقتراع يجب ألا يتم تطبيقها دون تمييز على الصراعات الأخرى.*
مؤلف الكتاب الذي وردت فيه هذه الجزئية، جوناثان باول، كان حتى العام الماضي يشغل منصب رئيس الموظفين في إدارة توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، وهو شخص قضى مدة هي الأطول في هذا المنصب. كان باول شخصية محورية خلف الكواليس في العملية التي استمرت عقداً من الزمان وشهدت توصل الجمهوريين والوحدويين في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية.
هذا السرد الذي كتبه شخص ملم بالأمور توصل إلى نتيجة مفادها أن من الممكن استخلاص بعض الدروس العامة التي يمكن أن تصلح في أماكن أخرى. فالحكومات الديمقراطية، مثلا، يجب أن تكون دائماً راغبة في إجراء محادثات، وإن تكن أحياناً في السر، مع أعدائها، حتى عندما تكون مثل هذه الاتصالات مؤذية للشعور العام. ولو كان باول لا يزال موجوداً في 10 دوانينج ستريت، لكان قد ساند إجراء حوار مع حماس.
ويؤيد باول ذلك بالقول إن هذا صحيح. فإجراء محادثات لا يعني الاستسلام – وهو في واقع الأمر ليس كالتفاوض. فإذا وضعت الجماعات الإرهابية السلاح جانباً، يصبح لزاماً أن يظل كل شخص داخل الغرفة. ويتطلب ذلك انتباهاً دائماً وانخراطاً دائماً. فالنجاح الذي تحقق في إيرلندا الشمالية في نهاية الأمر جاء من خلال استراتيجية تقوم على "عدم ترك المحادثات تتوقف على الإطلاق". وهناك درس أخلاقي يمكن استنباطه من جهود الإدارة الأمريكية للتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين للتوصل إلى سلام، وهي جهود ظلت تتوقف ثم تواصل المسير.
لكن إيرلندا الشمالية ليست فلسطين، أو لبنان، أو منطقة الباسك. فكل صراع مرتبط بتاريخه وبالمظالم الخاصة به. والبعض دائماً ما يكون لديهم قابلية أكثر من غيرهم لإجراء مفاوضات سياسية. وهذا على وجه التحديد هو أكبر درس تم نسيانه في المواجهة بين الغرب والإسلاميين المتطرفين. فإذا كان المتطرفون ليسوا سواء، فإن المسلمين ليسوا سواء.
جون ماكين صحح في اليوم التالي ما قاله حول اتهامه الشيعة في إيران بتوفير الأرض لتدريب جماعة القاعدة السنية. هذا الخطأ تسبب في إحراج مرشح الرئاسة الجمهوري، لكنه ليس أول شخص يرتكب مثل هذا الخطأ.
هذه الملاحظة تحدثت عن الافتراض الموجود لدى إدارة جورج بوش، ومن وراءها، بأن الأعداد الهائلة من الصراعات في العالم الإسلامي يمكن جميعها ووضعها في ملف واحد على نحو مريح. ويعني ذلك قبول ما يقوله أسامة بن لادن من أن الصراع هو صراع وجود بين الإسلام والغرب. ولا يوجد شيء محسوب أكثر من ذلك لمساعدة من يحملون الأفكار غير التصالحية، ولا شيء يجعل قطع الدعم عن العنف أصعب.
أوضح تعبير عن هذا الخطأ هو إصرار الولايات المتحدة على القول إنها تخوض حرباً على الإرهاب، وما صاحب ذلك من عبارة التحذير التي قالها بوش من أن أي شخص يجب أن يختار: "معنا أو ضدنا".
كان بلير يتحدث في بعض الأحيان بأفكار المانويين (أسود وأبيض) نفسها، ما يثير صراعاً فكرياً عالمياً يمكن أن يصحبنا لعدة أجيال مقبلة. وكان القصد من ذلك هو خلق انطباع بوجود تجانس بين المجموعات المسلحة في العالم الإسلامي ما يجافي الحقائق المتعلقة باختلاف أهدافها واختلاف وسائلها.
وعندما يشير السياسيون الغربيون، أمثال بلير، إلى "صراع الحضارات" فإنهم بذلك يعطون عن قصد، أو غير قصد، انطباعاً عن مجتمع مسلم معادي بالفطرة لقيم وطموحات المجتمع الغربي. وفي واقع الحياة المعاشة، هناك الكثير من النور والظلام. فليس كل المسلمين – حتى وسط أولئك الذين لديهم استعداد لاستخدام العنف لتحقيق اهدافهم – يفكرون بنفس الطريقة.
فهناك أعداد كبيرة من المسلمين يعبرون بالفعل عن كراهيتهم لأمريكا والمملكة المتحدة، لكن آراءهم تتعلق إلى حد كبير بالسياسات التي تتبعها هاتان الحكومتان أكثر من كونه عداءً فطرياً لكل ما هو غربي. وهناك أدلة جديدة مفيدة على هذا التغاير تم تقديمها في دراسة تم نشرها للتو من قبل مؤسسة جالوب، استندت إلى مقابلات تم إجراؤها مع آلاف المسلمين في 35 دولة**.
أحد الأشياء التي وجدتها الدراسة أن المسلمين لا ينظرون إلى الغرب باعتباره كيانا واحدا، فضلاً عن كونه العدو الأوحد. فنحو ثلاثة أرباع المصريين، مثلا، يقولون إن لديهم فكرة سيئة عن الولايات المتحدة، ومع ذلك هناك نسبة الخُمس فقط التي تظهر الكراهية نفسها لفرنسا. وثلثا الكويتيين أظهروا بعض العداء تجاه الولايات المتحدة، أما تجاه كندا فالنسبة 3 في المائة. و45 في المائة من اللبنانيين يعتقدون أن البريطانيين "عدوانيون"، لكن هناك أقل من العُشر يقولون الشيء نفسه عن ألمانيا وفرنسا.
الاتهام الأكثر انتشاراً لدى المسلمين ضد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو الاتهام باستخدام معايير مزدوجة. وليس هناك جديد أو شيء مستغرب هنا. فقبل بضع سنوات، كنت أبحث إلكترونياً في الملفات المتاحة للاطلاع، الموجودة في أرشيف الأمن الوطني الذي يوجد مقره في واشنطن، فعثرت على سلسلة من البرقيات مكتوبة من ممثلين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال الخمسينيات من القرن الماضي.
ومن الغريب أن الرسالة الأساسية التي لخصتها مذكرة كتبها رئيس البعثة الأمريكية في المملكة العربية السعودية لرؤسائه في واشنطن كانت معروفة. قال هذا الدبلوماسي الكبير محذراً، إن فكرة أمريكا عن نفسها أنها منارة للحرية في العالم، تجلس في وضع غير مريح بجانب سياستها الواقعية. هل يبدو ذلك أمراً معتاداً؟
الدراسة التي أجرتها "جالوب" تظهر أيضاً أن المسلمين، عموماً، يشتركون مع الغرب في الكثير من الطموحات. فالأمن الوظيفي والرخاء والمستقبل الأفضل للأطفال تأتي في أعلى قائمة أولوياتهم. وهم يضعون التقنية والمعرفة في المقام الأول عندما يوجه إليهم السؤال عما هو أكثر ما يعجبهم في الغرب. وتأتي الحرية والديمقراطية في المرتبة الثانية. وطرحت "جالوب" السؤال نفسه على الأمريكيين وحصلت على الإجابة نفسها.
إبراز مثل هذه النقاط لا يعني القول إن الأصولية الإسلامية التي تعتنقها القاعدة والمنظمات المرتبطة بها لا تقل عن كونها تهديداً خطيراً. فهناك عدد كبير من الإسلاميين الخطرين الذين ينبغي أن يتم التعامل معهم فقط بالقوة العسكرية. كما يجب ألا تكون السياسة الغربية أسيرة لتأثيرها على الفكر الإسلامي. فإخراج القاعدة من أفغانستان هو الإجراء السليم الذي ينبغي القيام به.
ومع ذلك، فإن وجود توجه فكري يجمع بين حزب الله، والقاعدة، وحماس، والمليشيا الشيعية في العراق، أو الأكراد الانفصاليين مع طالبان تحت قاعدة أن الصراع واحد هو ما تطلبه القاعدة. إن ذلك يستبعد وجود مظالم حقيقية ويتجاهل تأثير سياسة الغرب ويستبعد أي احتمال لكسب بعض المتطرفين وإدخالهم في المعترك السياسي.
إن تغيير الإدارة في واشنطن يعطي الولايات المتحدة وأصدقاءها فرصة للتمعن وإعادة النظر في الأمور. ونقطة البداية هي التوقف عن الحديث عن الحرب.