October 28th, 2008, 10:34 PM
تعرفت عليه قبل عام .. شاب في السابعة و العشرين من عمره .. التقينا قدراً في أحد برامج الدردشة على الإنترنت و توطدت علاقتنا حتى وصلت للقاءات الشخصية و الإتصالات الهاتفية .. ذكي وقارئ جيد لصنوف الكتب, يبهر بحديثه كل من يجلس معه, خاصة عندما يعلمون أن محدثهم لم يتجاوز المرحلة المتوسطة من تعليمه!! .. و مع ذلك تجده يمارس التعليم الذاتي .. يحفظ بنفسه المصطلحات الإنجليزية و قوانينها ثم يتمرن عليها مع الناطقين بها, فيتعلم من أخطائه و يصححها, حتى بلغ مستواه في اللغة الإنجليزية مستوى طالب جامعي.. سألني صديق مشترك لنا, و هو مهندس حاصل على درجة الماجستير, إن كان صديقنا قد درس الإنجليزية من قبل ؟! .. فأجبته أنه يمارس التعليم الذاتي, ففاجئني الـ ( بش مهندس ) أن مستوى صديقنا مقارب لمستواه في اللغة الإنجليزية !! .. استطعت أن اكشف موهبة وحيدة لصديقي العزيز و لكني متأكد أنه ما زال هناك الكثير من المواهب المدفونة التي يعرفها هو.. بالرغم من كل ذلك ما زال صديقي العزيز بلا عمل, يستلم مصروفه من غيره, و لكنه يقول لي أنه ما زال في طور البحث عن عمل منذ أن عرفته إلى هذا اليوم !!
كأني بأحد الأشخاص قد رفع يديه إلى السماء داعياً الله عزوجل أن يجعله حافظاً لكتاب الله, أقول له اللهم آمين, ثم أبادره بالسؤال عن حلقة تحفيظ القران التي يلتحق بها, فيجيبني أنه لم يلتحق بأي حلقة, و لم يقم بمس المصحف منذ زمن طويل !! .. لو كنت مكاني, أخبرني مالذي يدور في رأسك تجاه هذا الشخص ! .. بالتأكيد أنك ستتعجب من شخص يريد أن يحفظ القران بدون الأخذ بالأسباب.
خرج موسى عليه السلام و أتباعه من مصر هرباً من فرعون, فحوصر عليه السلام بالبحر من أمامه و فرعون وجنوده من خلفه, فأوحى الله عز وجل إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فانفتح البحر و دخل فيه موسى و من معه و غرق فرعون.. لماذا أمر الله عز وجل موسى أن يضرب بعصاه البحر, و لم يفتحه له بدون ذلك ؟ .. يقول العلماء أن الله عز وجل أراد أن يعلم موسى عليه السلام و البشر من بعده ضرورة الأخذ بالأسباب, فلا تعتقد أن المعجزات و الغايات تحصل بدون أن تأخذ بالأسباب.
اشتد الألم على مريم عليها السلام أثناء حملها بعيسى عليه السلام, فأمرها الله عز وجل كما في الآيه : {هزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } , أراد الله عز وجل أن يعلم مريم عليها السلام ضرورة الأخذ بالأسباب, فلن يتساقط الرطب إلى اذا اتخذتِ خطوة و هزيتي بجذع النخلة .. مع العلم أنه و حتى الرجل القوي لو هز جذع النخلة لما تساقط الرطب .. و لكنها حكمة إلهية.
عزيزي.. لا تعتقد بأنك ستصبح ثرياً و ناجحاً بدون أن تتخذ خطوات, لا تعتقد أن العظماء الذين نعرفهم اليوم أصبحوا عظماء بدون أن يواجهوا متاعب في الحياة .. جميعهم اتخذوا خطوات و بدؤا من الصفر حتى أصبحوا على الحال الذي عرفناهم عليها.. كل واحد منهم بحث في نفسه و في ماذا يحب ثم استخدم مهاراته في تطوير موهبته فأضحى متميزاً.
كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من أغنياء مكة, و لكنه هاجر إلى المدينة و لم يأخذ معه ماله .. عرض عليه الأنصاري أن يشاركه في ماله .. و لكن عبد الرحمن قال له: لا و لكن دلني على السوق .. فذهب إلى السوق و تاجر بالمال القليل الذي معه حتى أصبح من أغنى أغنياء المدينة .. انظروا كيف استغل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه موهبته في التجارة فكسب منها.
الشيخ صالح الراجحي و هو أحد أغنى أغنياء المملكة العربية السعودية بدأ حياته من الصفر, فقد كان يعمل حمالاً في الصباح, و يبيع مفاتيح و أقفال في المساء .. اليوم تُقدر ثروة الشيخ صالح الراجحي بثلاثة مليار ريال.
بيل غيتس استغل موهبته في الحاسب الآلي و أنشأ شركة مايكروسوفت و هو في العشرين من عمره .. اليوم يُعتبر بيل غيتس أغنى رجل في العالم حيث يبلغ دخله اليومي ما يقارب عشرين مليون دولار.
حتى في الشحاذة توجد مواهب.. هذا بالفعل ما رأيته عندما زرت مدينة لندن, حيث وجدت مجموعة من الشحاذين (الأذكياء) يمارسون الشحاذة بطريقة جذابة تجبر السياح على التصفيق و اعطاءهم المال بدلاً من نهرهم و جرح كرامتهم.. الطريقة التي يمارسها هؤلاء هي تقمصهم لشخصيات شهيرة و محببة للناس و لا يفعلون أي شئ سوى الوقوف و وضع صندوق أمامهم للمارة حتى يضعوا النقود إن أعجبوا بهم.
قد يستسلم بعض الناس للفشل و ينظر إلى نفسه نظرة سلبية, و لكني أقول لكم أن الفشل ما هو إلا درس و تجربة تضاف إلى خبراتنا .. طـُرد والت ديزني من عمله كمحرر و أعلن إفلاسه عدة مرات و لكنه لم يستسلم و أنشأ ديزني لاند التي تقدر مبيعاتها بثلاثين بليون دولار سنوياً .. توماس أديسون مخترع الكهرباء قال عنه أستاذه أنه ولد غبي و لا يستطيع أن يتعلم أي شئ, و مع هذا لم يستسلم للفشل و أصبح مخترع الكهرباء التي نراها في كل مكان.. تعلم أينشتاين النطق و عمره أربع سنوات و قال عنه أستاذه أنه إنسان بطئ الفهم و غير إجتماعي, واليوم يعتبر أينشتاين من أعظم العقول في القرن العشرين.
عزيزي.. لا تعمل في أي مجال لا تحبه.. فهناك حكمة صينية تقول أنه إذا عملت في مجال تحبه فلن تضطر للعمل بقية حياتك, حيث يصبح عملك نوع من التسلية و الاستمتاع.. عَرضت أحد البرامج التلفزيونية استفتاء على مجموعة كبيرة من الشباب و اتضح أن النسبة العظمى لم يختاروا تخصصاتهم بأنفسهم بل كان ذلك تحت ضغوط من الأباء, أو من أجل البحث عن التخصص الذي يلقى إحتراما من بنو البشر, و اهملوا جانب المواهب و الميول الشخصية التي يمكن تطوريها من خلال الدراسة.
كان الدكتور طارق السويدان مهندساً للبترول .. يقول هو بنفسه أنه كان منتجاً في عمله و لكنه لم يكن مبدعاً, فقد ترك وظيفته و بحث عن الشئ الذي يحبه في فن الإلقاء .. و هو اليوم من المبدعين و الناجحين في هذا المجال.
حتى تبني لنفسك جسراً من النجاح على بحر المستقبل, اجلس مع نفسك ساعات, غص في أعماقها, اكتشف خفاياها, حدد نقاط القوة, ارسم لنفسك هدف, حدد فترة زمنية لبلوغ الهدف, اعمل على تنمية مهاراتك, حب هدفك, استعن بالله, اخطوا الخطوة الأولى, لا تستسلم, تعلم من كل غلطة و لا تكررها, واصل و بإذن الله سوف تصل.
كتبه: فادي المغربي
لندن
October 28th, 2008, 10:34 PM
لندن