الأعضاء الإشتراك و التسجيل

الملتقيات
ADs

قصة | Spectrum

قصة | Spectrum


NOTICE

تنبيه: هذا الموضوع قديم. تم طرحه قبل 4386 يوم مضى, قد يكون هناك ردود جديدة هي من سببت رفع الموضوع!

قائمة الأعضاء الموسومين في هذا الموضوع

  1. الصورة الرمزية ابراهيم اليحيى
    ابراهيم اليحيى

    مبتعث جديد New Member

    ابراهيم اليحيى الولايات المتحدة الأمريكية

    ابراهيم اليحيى , ذكر. مبتعث جديد New Member. من السعودية , مبتعث فى الولايات المتحدة الأمريكية , تخصصى موارد بشرية , بجامعة Purdue University
    • Purdue University
    • موارد بشرية
    • ذكر
    • West Lafayette, IN
    • السعودية
    • Jun 2010
    المزيدl

    April 15th, 2012, 09:54 PM



    .
    .
    .


    Spectrum
    قصة حب في مدينة أرفاين الكاليفورنية


    وجدها
    إبراهيم اليحيى

    ib.alyahya@gmail.com



    كانت تظنّ بأن الرجال سواء ، يتطلّعون لكل فتاةٍ بنظرة استعلائية وفي قلوبهم ضعفٌ شديد ، هي فتاة مثقّفة جدا وتحكي جزءًا من خواطرها في تويتر ، لا يُتابعها هناك سوى من تسمح له فدائرة مَعارِفها ضيّقةٌ بقدر رؤيتها لعقول الشباب في Irvine ، هكذا كانت الصورة النمطية التي تحاول (سارة) إيضاحها كل يوم لمن حولها من الفتيات!
    يوم الجمعة هو يوم عظيم للجميع ، يغيب فيه معظم الطلاب بحجة الذهاب لصلاة الجمعة أمّا الفرضية الأصلية هي التجمع في مجمع Spectrum وكل بحسب نسبه وسيارته وملبسه ووسامته وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، في تلك الليلة يحلو التسوق وتحلو اللقاءات ، الجميع يبحث عن شئ غير محدد سلفا ، لكنهم يبحثون جاهدين ، (بدر) لم يكن من هؤلاء .. فكان منطويا عن الناس يسكن في The Village يذهب أحيانا إلى ستاربكس من أجل القهوة وليس من أجل أن يرى فتاة كما جرت العادة هناك !!
    ذهب إلى مطعم قريب اسمه Cheesecake Factory لوحده فزملاؤه يطوفون بالمجمع وهو لا يحب ذلك ، يحب النقاش ومشاهدة الأفلام وأحيانا لعب البالوت، يدخن شكليا فليس هناك ثمّة حيز لدخان في قلبه ، دخل إلى المطعم فإذا ثلاث فتيات سعوديات أتين قبله، لم يلتفت إليهنّ وإنما قيّد اسمه عند النادلة وأخذ يتابع تويتر، استحكمت على الفتيات الثلاث (سارّة ولمى وفتاة ثالثة) حب التطلّع لهذا الفتى الذي نأى بنفسه عن بقيّة من يتجولون في المجمع ، أصبحْن يتساءلن عن اسمه فتذكرت لمى بأن اسمه بدر ويدرس في ESL، ذهبن إلى الطاولة وصرن يتحدثن عن الدراسة وهموم الحياة والموضة، هذه هي أهم مواضيع الحياة لدى الفتيات المبتعثات، صدفة دعت النادلة بدرًا أن يجلس بالطاولة المجاورة لهنّ، في الحقيقة أن بدرًا لم يلتفت إليّهن كما يغلب على زملائه ، جلس وتابع تويتر إلى أن اتصل به صاحبه وزميل غرفته فارس .

    فارس: هلا وغلا .. كيف الأمور؟
    بدر: بخير تمام الحمدلله
    فارس: وينك؟
    بدر: Cheesecake Factory
    فارس: أمااا .. ولا تقول ولا تعزم !! .. معك أحد وإلا أجيك
    بدر: حيّاك .. أنت قريب؟
    فارس: خمس دقايق وأنا عندك
    بدر: بانتظارك

    بشكل غير إرادي قال فارس حين وصل "وش هالزين اللي حولك .. وش هالزين"، شعر بدر بحرجٍ شديد فهو ليس بذلك الإنسان الذي يتّبع آثار السعوديات بل يأنف أحيانا لهذه الحركات غير المسؤولة، إنه يتصور دائما أن الفتيات يتضايقن من هذا الشئ إضافة إلى كونه مثقفًا ويجنح دائما إلى الرُقي بتعامله، فتنته تكمن بالكلمات والأفكار أكَثر من الهيئة فحسب ، بطبيعة الحال فلقد استمعن إلى ما قاله فارس بالإضافة إلى أنه يعرف أسماءهن جيدا ، تجاذب الزميلان أطراف الحديث وصار يتحدث بدر عن بعض الصعوبات في التواصل مع الملحقية الثقافية وكيف أنهم لا يتجاوبون مع الطلبات ولا يردون على الهاتف ثم تطور الحديث بأن الملحقية هي جزء من فوضى عارمة تجتاح القطاعات الحكومية بشكل عام، كعادة فارس أنه يستمع إلى بدر بشكل يوحي باهتمام بالغ لكنه دائما يقول "يا رجال .. الله كريم ونقول إن شاء الله تتحسن الأمور"، في تلك اللحظة بالخصوص كان قلب فارس يعيش في جسد الطاولة الأخرى، كان شغوفا بأن يتعرّف على لمى بشكل خاص لأنها كانت جميلة المنظر ومن نفس المدينة التي هو منها، عَلِم ذلك بجهد وتعاون مع لجنة لتقصّي الحقائق !!
    كان فارس جريئا لكنه بعبارة أدق كما يصوره بدر بأنه "صفيق وجه"، لما فرغا من العشاء توجّه فارس إلى الفتيات فأنصتن باندهاش لما سيقوله هذا الفتى فقدومه هكذا يعتبر اساءة عند البعض !!

    سألهن "كيف حالكم وشلون الدراسة ؟"
    أجابته لمى "تمام وأنت بشرني عنك ؟"
    قال فارس "الحمدلله بخير دامك بخير "
    سألته سارة بهمس "من هو ذاك اللي معك وليه ما جا معك هنا.. شكله جديد؟"
    فارس"هذا روميتي بدر الــ ... ، مو جديد لكنه دايم يجلس بالغرفة ويقرأ ، الظاهر إنه يتابع تويتر الحين" ف

    ي نفس اللحظة كتبت سارة اسمه في تويتر وأضافته مباشرة وشرعت بقراءة تغريداته هناك، بشكل ثنائي كانت تقرأ وتنظر إليه وكأنها تبحث عن نموذج تأوي إليه، فعلا فلقد ذُهلت جدًا لإبداع كتابته واختياراته مما جعلها لا تسمع للمحادثة التي تجري بين لمى والفتاة الثالة وفارس ، صدفة كانت آخر تغريدة لبدر هي
    " لا أعلم سرّ الإغتسال عقب الإنطواءِ بك .. ألستِ تزيدينني طهرا وعشقا ؟!"
    هامت سارة بتغريداته وصارت تقرأ بشغف بالغ، لمى والفتاة الثالثة يحاولان التحدث معها لكن التجاوب بدا بطيئا جدا، لقد انتقلت إلى عوالم أخرى لكنها متحفظة بعض الشئ لأنها تعتقد بألمعية ذاتها واستعلاء ثقافتها، المهم بأنهن خرجن من المطعم معتقدين بأن سارة فقدت شيئا من توازنها ومضوا يطوفون بالمجمع قليلا حتى جلسن وقالت سارة لهنّ: "هاللي جالس لحاله شكله مو بسيط لكن أنا أعرف أجيب خبره ، هل هو مثقف وإلا يسوي روحه" ، لم يلتفتا لها لأن فرضيتها بالحب غير مأهولة بالنسبة لهما !!

    سأل فارس: "بدر .. هاه وين بتروح؟"
    بدر: "الشقة وأنت ؟"
    فارس: "أقول تعال معنا .. ويكند وليلة سبت وتقعد بالشقة، تعال معنا بنروح لــ Nubia"
    بدر: "ياخي ذاك المكان كريه وحوسة وزحمة .. خلنا نروح لأي مكان ثاني؟"
    فارس: "واعدت الشباب هناك .. طلبتك امش معي"
    بدر: "علشانك والله بروح معك !!"

    ذهب بدر مع فارس لوحدهما ليلتقوا هناك ببقية الشباب، جلسوا جميعا ورايات الشيشة تفوح انتصارا من صدورهم والجميع سعداء فالأمور كلها تسير على أفضل ما يرام، فارس يحمل قلبا مكلوما دائما وليس هناك سبب مباشر لذلك، يحب الإستماع إلى أغان الحزن والقصائد المبكية لكنه لا ينقل أحزانه لأحد ، أهداه فارس يوما ما أغنية الفنان عبدالله الرويشد :
    لا تغرك الضحكة ترا كلي احزان .. لو تضحك عيوني ترا كلي جروح
    أخفي ورا عيوني من الدمع بركان .. من خلف صمتي اخفي الهم والبوح

    كانت فعلا تحكي عن بدر !!
    أحد الجُلساء قال "شفتوا اللي لابس أسود هناك .. ذاك من آل سعود !!"
    الجميع وينه وينه أي واحد ؟! وصار يلتفت الجميع واحدا تلو الآخر لئلا يثيروا انتباه أحد ما عدا فارس لم يلتفت وصار يتابع تويتر حتى قال أحد الظرفاء " تتوقعون هذا اللي من آل سعود جاي مبتعث وإلا على حسابه الخاص .. شرايك يا بدر ؟!" ابتسم بدر ولم يُعقّب ، كانت جلّ أحاديث أصحابه تدور حول الوطن ومشاكله ، من غير مناسبة قال أحدهم "أول شئ لازم نبيد الشيعة من القطيف لأنهم ألعن من اليهود !!" ، تفاجأ بدر بشدة من هذه العبارة وصارت أفكاره تدور بسرعة ممّا ولّد حرارة في اعتراضه وقال بحزم "كيف تجرؤ أن تقول هذا الكلام عنهم ، أليسوا مسلمين .. أنت الحين بأمريكا وتشوف التنوع العظيم في المعتقدات والمذاهب والألوان والأجناس وكيف يعيشون بتناغم وتؤمن بأن الإقصاء بل الإبادة هي الحل ، قسم بالله إنك مو صاحي !!" الصمت فاح لكن الجميع كان معترض على قوله، قال أحدهم "هذولا ولائهم لإيران ووالله لو تصير لهم لقتلوك أول واحد" ، فأجاب بدر "أولا ، لو كانوا يجدون حقوقهم كان ما طالعوا غيرهم وثانيا قضية الحب كل واحد بكيفه فلو أنت أمريكي مسلم وعايش هنا لكنك تحب السعودية ما أحد له الحق يقول لك لازم تحب أمريكا وتكره السعودية أما مسألة لو صارت حرب وربما يكونون مع إيران، لو صارت خلاص أنت لك الحق إنك تحارب من يحاربك لكن القضية بشكل أساسي هي قضية مدنية بحتة، فمثلا هم لهم الحق أنهم يدرسون مناهجهم الدينية فتخيل ولدك يدرس بأمريكا فأكيد ما ودّك يدرسونه مواد دينية غير معتقدك، عودا إلى قضية الولاء .. أصلا ما فيه أحد يقدر يجزم ما يكون بداخل قلب الإنسان، وأكبر دليل يوم قصة أسامة رضي الله عنه حين قتل أحدهم بعد أن قال "لا إله إلا الله" بعزم أنها قيلت خشية القتل فلم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وأنكر أشد الإنكار وقال "هل شققت عن قلبه؟" وصار يكررها، فسأل أحدهم بدر "طيب وشو الحل" قال بدر "القانون والعدل .. يصير فيه قانون أن الناس متساويين في الحقوق والواجبات، ولكل إنسان حرية المعتقد وكل هذه الأمور منصوص عليها بالقرآن الكريم والسنة الشريفة" قال آخر "طيب هم يسبون عائشة وأبو بكر وعمر !!" قال بدر "ما تقدر تمنع أحد عن شئ إذا كان مذهبه يدعوه له ما لم يكن هناك ضرر متعدي مع العلم فهناك العديد من علماء الشيعة من لا يسب، وأعود وأقول تقدر بالنظام تقول يمنع سبّ الصحابة في المنابر والصحف والمدارس ومن يفعل ذلك يعاقب احتراما لمشاعر المواطنين، لكن خذ بالك أيضا في النظام لازم يكون منع لسب الخميني وعلماء الشيعة احتراما لمشاعرهم !!" قال فارس "والله يا بدر الدنيا ما أظنها تفهم هالشئ اللي تقول عنه .. مدارسنا وخطباؤنا وعلماؤنا صوروا لنا الشيعة كأنهم ألعن خلق الله، بالإضافة إلا إننا ما عشنا معهم فصدقنا كلامهم ، لكن والله العظيم إني أعرف شيعي كان معي بالشركة أول ما تخرّجت من الجامعة أخلاقه عالية جدا وحبيب لدرجة ما تتخيلها، مع الأسف كان بعضهم ما يخليه يصلّي بالمسجد، والله ما أدري كيف راحت علي وما فزعت له، من متى المساجد يمنعونها عن الشيعة، واحد أعزك الله بال في المسجد وعامله الرسول صلى الله عليه وسلم بلطف وهذا جاي يتعبد الله ويطردونه ، الله يلعن أم الحالة"


    أثناء حديث فارس انتبه بدر إلى أن هناك من أضافته في تويتر، دخل حسابها فإذا هي طالبة في نفس المعهد الذي يدرس فيه، جلسوا قليلا ثم قرروا الذهاب، ذهبوا ليدفعوا حسابهم وكما هي الصدفة دائما، أن يخطئ المحاسب في الحساب فدفعوا أكثر مما يجب، لم يلتفتوا لذلك باعتبار أن الأمر بسيط جدا !!
    تلك التي أضافته أشعلت حب الفضول، فجأة .. سأل بدر صاحبه فارس عن أسماء تلك الفتيات ، أخبره بأنهن سارة ولمى وفتاة ثالثة لا تود أن يُعرف اسمها لكنه يعرفها جيّدا، أضاف سارة إلى قائمة من يتابعهم وبدت خاصية إرسال الرسائل الخاصة متاحة، في الحقيقة أن سارة كانت من تنتظر الإضافة فبدر لا يتذكرها أصلا، خلال دقائق وصلت رسالة إلى بدر من سارة "هذا القمر الذي في السماء يتغير كل ليلة بقدر اشتياقه" ، أدرك بدر أنه بأبواب فصل جديد من الحياة سيبدو مثيرا للغاية !!
    ابتسم بدر لقراءة تلك الرسالة وأرسل لها "الآذان ليس نداء للصلاة فحسب وإنما لتذكير الناس أن لكل شئ نداءً" ، في هذه الأثناء وصل بدر وصاحبه إلى سكنهما ، الوقت يقارب الرابعة صباحا ويبدو أن الشمس ستتأخر قليلا لأنها ستشرق من السماء الرابعة !!
    خلد الجميع للنوم ما عدا مشاعر سارة وبدر أما فارس فكل يوم يأوي إليه قلب جديد من خلال Blackberry ، جميل أن نقول بأن فارس دائما تصله رسائل "ودّك نتعرّف ؟!" "صورتك حلوة" "أهديك هذه الأغنية" وغير ذلك من الرسائل السريعة التي تشترك بشئ واحد وهو "غزل عابر".
    قبل أن يرتفع الجفن الآخر أسرع البصر لقراءة الجديد في تويتر، هذه حال بدر لأول يوم بعد قراءة حروف سارة ، رسالة جديدة من سارة تقول فيها "ان التأمل بك ايمان والحديث معك تقوى ... انتظر رسالة على ايميلي xxx@gmail.com تفتنني بها ؟" ، ردّ عليها بدر "في مساء هذا اليوم، سأكتب لكِ شيئا قد لا تعيه لأول نظره لكنك ستعشقيه ؟!" ، اغتسل بدر وتوجه إلى غير عادته ، توجه إلى ستاربكس فربما يشاهد أي فتاة جميلة ويستوحي منها عباراته ، إنها لحركة سيئة حين تجعل في ذهنك صورة لفتاة وتمارس الحب بفتاة أخرى، سيئة للغاية لكن حجّته هنا بأنه لا يتذكر ملامحها !!
    امتشق قلما وتراءت له الكائنات على هيئة أوراق، عزم أن يكتب الرسالة على ورقة ثم يكتبها على جهازه ليرسلها عبر الإيميل، لأنه ظنّ بأنها قد تكون الرسالة الأولى والأخيرة فاتفق مع ذاته أن تكون كخطبة يوم عرفة، يعرّج على كل شئ يبدو قريبا من آماله وآلامه، هنا بدأ ينقش :


    "مرت عليّ سبع سنين عجاف رأيت فيها جُهدا صُبّ في غير قوالبه ، هكذا رأيت وطني حين يحتفل بتوقيعات مشاريع وهمية، رأيت عجبًا في علاقات الأصدقاء مع ذويهم وصديقاتهم، كنت أخال العديد يعيشون في استقرار عاطفي إلا أن الأمر مجرد مظاهر كحال شباب عاصمتنا !!
    على أبواب الكتب توجد عبارة إهداء كما جرت العادة، يحتار الإنسان من يهدي كتابه الأول وغالبا ما يكون للوالدين أو الزوجة أو الأبناء، أما أنا فسأكتب بصدر الصفحة الأولى "سارة .. في حبك دفء عظيم وسعادة سرمدية"
    عيني اعتادت أن تقرأ الكلمات بهيئة حروف منفصلة كما هي حال تعليمنا العالي ومتطلبات السوق حيث أنهما منفصلان حتى النخاع، ربما تلاحظين بأني أورد آهات الوطن كثيرا في عباراتي ، إنها المحبرة يا عزيزتي ، فأنا لا أكتب بواسطة القلم وإنما أنا طوع محبرة أنقل مشاعرها وأحزانها وآلامها لمن أكتب إليه.
    اليسرى لا يُضرب بها بسيف العدل وكذلك العين لا تجرؤ على معرفة خبايا الروح لوهلة، أتيت إلى هنا لأنطلق لدروب العلم والمعرفة والتنوير ، فالحياة هنا وسّعت مداركي وفهمي، هنا زاوية واحدة من أصل مجهول لعدد الأضلاع ، رأيتُ العالم يتّسع لقناعات ومشارب مختلفة في مساحة جغرافية ضيّقة كل ذا إذا وجد شيء يقُال له قانون وعدل !!
    ألف ليلة منذ أن علمت أني مقبل على الحياة لوحدي، عائلتي تنتظرني لكني أدركت بأن النسب يتّسع كلّما زادت نجاحات الإنسان، بالإضافة الى ما ذكره الإنجيل "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" ، فالضمير كما يذكر المسيري يعني ثمة شيئا ما غير مادي كامنا في الإنسان يدفعه نحو الخير وهو إن لم يتجه نحو الخير كما يملي عليه ضميره فإنه يشعر بالذنب وبأنه أنكر بُعدًا أساسيا من وجوده.
    جميلة هي الأيام التي نحكي بها خبايا الروح لمن نحب، ليس هناك شئ يقال له "ثرثرة" بين العشّاق ، فالحديث هو زادهم والمشاعر هي من تكسب أيامهم روعة ودفئا ، ألَقُ طلائع رسائلنا ينشر عِبْقه لمن حولنا، إن الاحتفالات تُبغِض أقواما وتفرح آخرين كما هي لحظات الحزن لكن شتّان بين المناسبتين ، فالفرح أيام والأحزان أعوام وما أرى هنا سوى فتاة أشعلت قلبي حنينا وشوقا وفرحا ومهما تكن حالتي الآن إلا إنني لن أعيش السعادة الحقيقية إلا بالتحول كما يقول ريلكه.
    ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام، هذا البيت يستوقفني كثيرا وهو الدافع لنا (بافتراض أنكِ أصبحتِ جزءا من كياننا أو بالأصح أني أصبحت شيئا من حقيقتكم) نحو النهوض بالوعي والثقافة والعطاء ، كثير من هم حولي كما تشاهديهم يتسكّعون ويقتلون الوقت بلا سبب ، حالهم معلّق بين حقيقة الوجود والفناء ، هم لا يعلمون بأنهم مكلّفون بشئ بل .. بأشياء !! كل ما يدركوه أن لديهم حواس يجب إسعادها وممتلكات يجدر إسرافها كل ذلك يأتي في زمن راقص يُقال له "غفوة".
    تعبر إلينا آلاف المعاني كل يوم لكننا لا نشعر إلا بما نحن متطلعون إليه ، لم يأبه المجتمع بعمل المرأة إلا حين صرخت وحق لها ذلك ، إن هذا الزمن تماما كما صّوره جيلبير سيسبرون حين قال "هناك أوقات، وأعتقد أن هذا الوقت واحد منها، حيث لا يكفي قول الحقيقة، بل يجب الصراخ بها"
    إلى كل القلوب المتوضئة بقيم العطاء والإنسانية ، تلك القلوب التي تحيي الأرض بعد موتها ، كم نحن بحاجة إلى مصلحين اجتماعيين يتكلمون مع الناس بلهجاتهم النطقية والمنطقية ، وفي نفس الأثناء يبحثون عن أقصى ما توصل له العلم الحديث في مجالات بحوثهم ودراستهم ، يختزل البعض ما أقوله بـ "الأصالة والمعاصرة" والبعض "التراث والحداثة" ، زمرة من العبارات توحي بشئ واحد مفاده لننطلق إلى الحضارة بقيمنا !!
    اليمنى مظلومة دائما لفضيلتها، من يفقد عينه اليمنى يرى الأشياء أقرب مما تكون لذا فتصرفاته تكون أسبق مما يجب عليه وهذا ليس على إطلاقه وإنما بشكل جزئي، لقد كان جدّي – رحمه الله – يبكي كل جمعة حين يأتي موعد زيارة عمّي الذي وافاه الأجل بحادث سيّارة ، ليس هناك آلم من فقد الإبن يا سارة ، تصوّري أن جدّي الضرير كان يبكي بدموع غزيرة ، كنت أتساءل هل السماء الصحو تمطر ، هل الإبن الرضيع ينطق حكمة ، تجلّت كل تلك المعاني وغيرها في صور واضحة بالنسبة لي ، لم أقل شيئا سوى سبحانك يا الله سبحانك يا الله !!
    سوى الترقب ، سوى البكاء ، سوى الحنين ، كثرت الاستثناءات هذه الأيام مخافة تجلّ حقيقة مباغتة تمحق تنبؤات العلماء والمفكرين ، إن الإنسان له قيمة تزداد اطّرادًا مع تقدم المجتمع وتطوّره ، والكلّ ينسب أفكاره أنها مصدر أو داعمة للتنمية إلا أن الوثوقية بالآراء تفقد معنى التنوع ومرونة الحوار ونقاط التجمع ، ملخص ما أقوله في هذا النص يتضح فيما ذكره د.تركي الحمد في أن البنية التحتية للتفوق تكمن في القانون والعلم والحرية !!
    واحدة أصرّت أنها ستبقى في مكانها مهما كلّف الأمر بافتراض أن الأمر مسألة كرامة ، معروفة هي Rosa Parks تلك التي أطلقت الزناد لإعلان الحرب ضد العنصرية في أمريكا، ليس في أمريكا فحسب توجد نساء عظيمات فلدينا في السعودية كذلك المئات والمئات ، أورد هذه الأمثلة لأوضح كيف أن العلم يُكسب المرأة السعودية نضوجا يجعلها تطالب بحقوقها بشكل مدني متحضر، إنني في صدد الانصراف عقب هذه الرسالة الطويلة والمفجعة ربما، تأمليها بحذر وراقبيها بتأنٍ ففيها من الإشارات والمعاني آيات لأولي الألباب."


    كانت رسالة غير متوقعة جدا لعمق معانيها وروعة حبكتها، طبَعتها ثم قرَأتْها ما لا يقل عن عشر مرّات حتى حفِظتها، ماذا يجب عليها الآن أن تفعل لتسحره، فسحرة فرعون بدؤوا فانقلب عليهم سحرهم بأن أكلت أفعى موسى كلّ ما صنعوا، هي الآن في موقف صعب جدا، أدركت بأن هناك سرّا في هذه الرسالة لكنها لا تعلمه ولم تكتشفه بعد، قرّرت أن تكتب رسالة قصيرة فيها أحد الأسرار فإذا باح بدر بسرِّه كان لديها شيء تَفْخَرُ به، إنها تحب الإيجاز ورأت أنه مندفع اتجاهها بعبارات باذخة ، فعادة العاشق أن يظهر شيئا من التكبّر، وعادة المعشوقة أن تُظهر أنها لا تعلم عن أهواء عاشقها فتراها تزيد من أَلَقِها مدّعية بأنها لا تتكلف في ذلك، هكذا أظهرت سارة في رسالتها التي كانت عبارة عن جملتين تبدو متناقضتين أرسلتها بطريقة جوابية على إيميله :


    "همس بحبي بعباراته الضئيلة ، مال اتجاهي بأشواقه وأشواكه ، جزم بالتعلق مرارا ، من دونه غدت الحياة بسيطة بلا أسرار" ،
    ثم أضافت بعبارة ثانية:
    "سمة الأيام الحزينة أنها تأتي متسارعة ، لام كل من حوله بقسوة وكأنه سيعيش وحيدا بلا صديق، مزج مشاعره بأحلامه فَعَظُمت الصغائر ويا ليتها لم تكن، نم قريبا ووادعا يا ثراء الروح"


    هال بدر روعة إيجاز تلك العبارتين، صدق حدس سارة بأن رسالة بدر فيها سرّ مكتنز، أرسل بدر إلى سارة عبر تويتر رسالة خاصة
    "كنت أظنك ستجدين سرّا برسالتي لكن لا يبدو بأنك قد وفُقتِ لذلك .. أجمعي أول كلمة من كل مقطع لتحصلي على جملة أود إيصالها !!"
    لا يتصور إنسان مدى سرعة العاشق في الاستجابة لرغبات المعشوق فضلا عن أوامره، فَرحت جدا لصدق حدسها وأسرعت لقراءة رسالته المطبوعة لتجمع الكلمات الأولى من كل مقطع فكانت النتيجة :
    "مرت .. على .. عيني .. اليسرى .. ألف .. جميلة .. ولم .. تعبر .. إلى .. اليمنى .. سوى .. واحدة"
    أوّااااااه .. أوّاااااه .. إنها عبارة بديعة جدا تحمل في طيّاتها أنه باع كل من سواها من أجل أن يظفر بها ، روعة هذه العبارة أن اليسرى تصوّر ما رآه من النساء بطريقة محرّمة لكنه استبعد ذلك كلّه ليربح فتاة بطريقة تتوافق مع قيم عاداته ومجتمعه ورمز ذلك لليمنى الشريفة !! ما أجمل النساء حين يتصوّرن بأنهن أذكى من الرجال، بطريقة احتفالية أرسلت إليه برسالتين لمحدودية الحروف في تويتر
    "كنت أظنك ستجد سرّا برسالتي لكن لا يبدو بأنك قد وفُقتَ لذلك .. اقرأ الكلمات الأولى بشكل عكسي أي من آخر حرف لأوله من كل جملة في العبارة الأولى وقارن أوائل الكلمات في العبارة الأخرى، وستعلم كيف تحدث التناقضات !!"
    لم يتصوّر بدر أنّ سارة ستودع سرّا في رسالتها، هل يعني ذلك أنها علِمت بسرّ رسالته وتكبّرت أم ماذا؟ كانت لحظات عسيرة جدا فمبدأ أن يبادلك إنسان بشيء تكنّه في قلبك لَيَجعل الحليم حيرانا وهذا بالضبط ما حدث لبدر، قرأ أوائل الكلمات فوجد أول كلمة في العبارة الأولى هي "همس" وعكسها فأصبحت أول كلمة في العبارة الثانية وهي "سمه" ، وكذلك الكلمة الثانية بالعبارة الأولى وهي "لام" ومقابلها "مال" وهكذا حدث مع "مزج .. جزم" ، "من .. نم" !! ، كانت رسالتها تفيد بأن التناقضات تحدث أحيانا من نفس المصدر ، فأعمال الإنسان تتناقض مع أقواله ومشاعر الحب أحيانا تأتي بشكل غريب وكما قالت غادة السمّان ذات ليلة "كانت مأساتي مع حبك غير المكتمل أنني أشعر بذروة السعادة خلال لقائك وبذروة الذل بعد ذلك"
    لابد من الإيمان أن نعتقد بأن بدر كاتب موهوب من الدرجة الأولى، فلقد كتب رسالته الأولى بسهولة ويسر وفي مكان عام ولم تتعبه فكرة رسالته وكذلك سارة لكن وكما هو ملاحظ بأن بدر كتب رسالة أعمق بكثير من سارة ، إلا أن سمِة الإبداع ظهرت جليّة لدى الطرفين وربما سارة أظهرت تفوقا بذلك ، الآن أتى دور بدر ليكتب شيئا يأسر خيال هذه الفتاة التي أظهرت شيئا من إبداعها، هذه المرة انعزل بدر في غرفته وبدأ كتابة رسالته:


    "فليت أيام الصبا تعود لتخبرك عن أحلامي وآلامي ، لتخبرك عن حادثة معراج أفكاري في رسائل الحب التي كنت أكتبها خدمة لأصدقائي حين يتعثرون بنقل مشاعرهم إلى عشيقاتهم ، كل ذلك أكتبه الآن وأعيشه لحظة بلحظة وأقول ليت وليت!
    ما هي الأيام وما هي الساعات .. الصدق أقول بأني لا أتذكر ما حدث بالأمس لكني أتذكر بدّقة متناهية لون عيناك حين إلتقيتك (في الحقيقة أنه لا يتذكّرها لذا ينطبق عليه "أكذب ما يكون إذا حَلف")، ابتسمتُ حينها لأني تذكرت قصة لقاءنا الأول عندما رأيتك عند بائعة الخبز في أول الأيام التي كتب الله لي فيها أن أحلم ، تماما كقصة طفل مرّ برجل منكبٌّ على قطعة جرانيت وفي كل يوم ينحت ويرسم فيها خطًّا جديدا ، سأله الطفل "عمّ تبحث؟!" قال النحّات انتظر وسترى ، بعد أيام عاد الطفل ووجد الحجر قد تحوّل إلى حصان رائع، نظر إليه مندهشا ثم تحوّل إلى النحّات وسأله"كيف عرفت أنه كان مخبأ داخل الحجر!!" انظري كيف أن الطفل كان يعتقد بأن النحّات وجد الحصان بالداخل ولم يصنعه .. أوردت هذه القصة لأقول بأني وجدتك يا سارة تبعا لحلم يوم ما !!
    كان عالمنا بلا وقت وكان لون السماء غامضا ، أحببنا الأوقات الصامته ، هذا بالضبط ما حكته كارولين يوما ما ، الأوقات الصامتة هي أكثر الأزمان اتساعا بتفاصيلها ، لك مثالا بهيبة العزاء وطول مقامه وعناصر بكاءه ، صمت مهيب حين تتسلل الأفكار العميقة وأيضا الثورية منها ، الصدمة تدفع الإنسان لأن يصرخ لفترة قصيرة لكنه يصمت دهرا بأكمله عقب ذلك ، الحياة مرّةٌ يا سارة وما أجمل أيام الطفولة حين كنّا نسمع حكايات كان يا ما كان .
    مستورا وغدوت أهذي بحبي ، أخطأت من شدة الفرح وجعلت المبتدأ منصوبا ، هي حالي دائما حين أبتدئ بأمر ما وأعدل إلى غيره حين أرى حبّ الناس منصبّا إليه ، معذرة فكنت أنوي قول منصوب وليس منصبّا ، كنت أود ذكر ما قاله دنقل "معلق أنا علي مشانق الصباح و جبهتي بالموت محنية لأني لم أحنها حية" لم أنجح أيضا في تصوير مقصدي كما يبدو !!
    بدا متوجسّا ، خائفا ، هزيلا ، حزينا ، منكسرا ، مهموما حين علم أني مفارقه لسنين ، كان صاحبي يحب قراءة العبارات الجميلة عليّ ، محمّد قرآنيا صوّر ذلك حين قال "ضع رشقة واحدة من عطر على جسد امرأة تحبها ثم صبّ قارورة العطر كلها على امرأة أخرى ، ثم شمّها تجد أن لكل امرأة رائحة تختلف عن الأخرى لأن الجسد هو الذي يمتص الرائحة ثم يعيدها إليك مطمعة بنكهة جديدة" مضى بأحلامه حيث كانت تتفيأ ظلال محبتي ولم يلبث طويلا حتى سئم و عاد
    علنا سآتي يوما ما ، وشهر آخر سأكون فيه مستترا"


    أرسلها عبر الإيميل وأودع لسارة برسالة خاصة في تويتر "هناك في الإيميل حصاد ساعة من الأفكار .. سرّ هناك وليتك تفطنين إليه .. كعادتك !!"
    بحماس قرأت رسالته وصارت تبكي هذه المرة ، فرسائل بدر تحمل في طيّاتها قلبا عطوفا وفِكرًا وضاءً ومشاعر دافئة ، كمثل المرة الأولى صارت تجمع الكلمات الأولى من كل مقطع ونجحت هذه المرة لأنها حصلت على عبارة مفيدة وهي "فليت ما كان مستوراً بدا عَلَناً" ، طارت بأحلامها بأن بدر يحلم ويتمنّى أن تظهر مشاعره تجاهها ، كانت لحظات جذل وسعادة لفتاة مخملية يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان ، أرسلت إليه فورًا "هلمّ إليّ أيها الفتى ، فلقد وجدت السرّ بقولك فليت ما كان مستورا بدا علنا" ، أُسقِطتْ في يديه هذه المرة ، سَعِد بدرٌ بأن تلك الساعة من التفكير لم تذهب سدى فأرسل إليها "وكذلك الكلمات الأخيرة من كل مقطع أجمعيها وأقرئيها مع أندادها الأوائل"
    بلهفة جمعت الكلمات الأخيرة فكانت النتيجة "وليت ما كان يبدو عاد مستتراً" فأصحبت النتيجة هي بيت ذلك الإنسان العظيم عبدالكريم الجهيمان
    "فليت ما كان مستوراً بدا عَلَناً ..... وليت ما كان يبدو عاد مستتراً"
    كلحظات الصمت عند إعلان الوفاة هذا ما حدث لسارة ، إنه لشيء مذهل حقّا ، فما هذا الإنسان الذي يحيك الكلمات كيف شاء، وبلحظة ضعف أرسلت إليه بتويتر ما قاله روسو "قد تغفر لك المرأة القسوة والظلم لكنها لا تغفر لك عدم الإهتمام بها" ولما عادت لرشدها بعد دقائق وتذكرت حالتها المتكبّرة أرسلت إليه عبر تويتر "سأكتب لك بعد فترة ما يجعلك تقول ما قاله طارق رمضان " life has meaning, facts are signs"


    هل يُعقل أن يكون للنادي السعودي في أرفاين أثرٌ في القصة ، سأحكي لاحقا شيئا من خبايا الروح !!


    .
    .
    .
ADs

قم بتسجيل دخولك للمنتدي او

الانضمام لمبتعث

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.