الأعضاء الإشتراك و التسجيل

الملتقيات
ADs

سيرة حياة احمد ابن حنبل وماحصل له من فتنة خلق القران

سيرة حياة احمد ابن حنبل وماحصل له من فتنة خلق القران


NOTICE

تنبيه: هذا الموضوع قديم. تم طرحه قبل 5079 يوم مضى, قد يكون هناك ردود جديدة هي من سببت رفع الموضوع!

قائمة الأعضاء الموسومين في هذا الموضوع

  1. الصورة الرمزية قمر بني هاشم
    قمر بني هاشم

    مبتعث جديد New Member

    قمر بني هاشم الولايات المتحدة الأمريكية

    قمر بني هاشم , ذكر. مبتعث جديد New Member. من الولايات المتحدة الأمريكية , مبتعث فى الولايات المتحدة الأمريكية , تخصصى accounting , بجامعة USA
    • USA
    • accounting
    • ذكر
    • USA, USA
    • الولايات المتحدة الأمريكية
    • Mar 2010
    المزيدl

    May 31st, 2010, 06:21 PM

    الامام أحمد بن حنبل
    فنقول والله المستعان هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن اسد بن ادريس بن عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبه بن عكاية بن صعب بن علي بن بكر بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار معد بن عدنان بن أد بن ادد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام أبو عبدالله الشيباني ثم المروزي ثم البغدادي هكذا ساق نسبه الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي في الكتاب الذي جمعه في مناقب أحمد عن شيخه الحافظ أبي عبدالله الحاكم صاحب المستدرك وروى عن صالح ابن الامام أحمد قال رأى أبي هذا النسب في كتاب لي فقال وما تصنع به ولم ينكر النسب قالوا وقدم به أبوه من مرو وهو حمل فوضعته أمه في ببغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين ومائة وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين فكفلته أمه قال صالح عن أبيه فثقبت أذني وجعلت فيها لؤلؤتين فلما كبرت دفعتهما بثلاثين درهما وتوفي أبو عبدالله احمد بن حبنل يوم الجمعه الثاني عشر من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومائتين وله من العمر سبع وسبعون سنة رحمه الله. وقد كان في حداثته يختلف إلى مجلس القاضي أبي يوسف ثم ترك وأقبل على سماع الحديث فكان أول طلبه للحديث وأول سماعه من مشايخه في سنة سبع وثمانين ومائة وقد بلغ من العمر ست عشر سنة وأول حجة حجها في سنة سبع وثمانين ومائة ثم سنة احدى وتسعين وفيها حج الوليد بن مسلم ثم سنة ست وتسعين وجاور في سنة سبع وتسعين ثم حج في سنة ثمان وتسعين وجاور إلى سنة تسع وتسعين وسافر إلى عند عبد الرازق إلى اليمن فكتب عنه هو ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه قال الامام أحمد حججت خمس حجج منها ثلاث راجلا انفقت في احدى هذه الحجات ثلاثين درهما قال وقد ضللت في بعضها الطريق وأنا ماش فجعلت أقول يا عباد الله دلوني على الطريق فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق قال وخرجت إلى الكوفة فكنت في بيت تحت رأسي لبنة ولو كان عندي تسعون درهما كنت رحلت إلى جرير بن عبد الحميد إلى الري وخرج بعض اصحابنا ولم يمكني الخروج لأنه لم يمكن عندي شيء. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه عن حرمله سمعت الشافعي قال وعدني أحمد بن حنبل أن يقدم على مصر فلم يقدم قال ابن أبي حاتم يشبه أن تكون ذات اليد منعته أن يفي بالعدة وقد طاف أحمد بن حنبل في البلاد والآفاق وسمع من مشايخ العصر وكانوا يجلونه ويحترمونه في حال سماعه منهم وقد سرد شيخنا في تهذيبه أسماء شيوخه مرتبين على حروف المعجم وكذلك الرواة عنه قال البهيقي بعد أن ذكر جماعة من شيوخ الإمام أحمد وقد ذكر أحمد بن حنبل في المسند وغيره الرواية عن الشافعي وأخذ عنه جملة من كلامه في انساب قريش وأخذ عنه من الفقه ما هو مشهور وحين توفي الإمام أحمد في تركته رسالتي الشافعي القديمة والجديدة.
    قلت قد أفرد ما رواه أحمد عن الشافعي وهي أحاديث لا تبلغ عشرين حديثا ومن أحسن ما رويناه عن الامام أحمد عن الشافعي عن مالك بن أنس عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة يرجعه إلى جسده يوم البعث وقد قال الشافعي لأحمد لما اجتمع به في الرحلة الثانية إلى بغداد سنة تسعين ومائة وعمر أحمد إذ ذاك نيف وثلاثون سنة قال له يا أبا عبدالله إذا صح عندكم الحديث فأعلمني به أذهب إليه حجازيا كان أو شاميا أو عراقيا أو يمنيا يعني لا يقول بقول فقهاء الحجاز الذين لا يقبلون الا رواية الحجازيين وينزلون أحاديث من سواهم منزلة أحاديث أهل الكتاب وقول الشافعي له هذه المقالة تعظيم لأحمد وإجلال له وأنه عنده بهذه المثابة إذا صحح أو ضعف يرجع إليه وقد كان الإمام أحمد بهذه المثابة عند الأئمة والعلماء كما سيأتي ثناء الأئمة عليه واعترافهم له بعلو المكانة في العلم والحديث وقد بعد صيته في زمانه واشتهر اسمه في شبيبته في الآفاق.
    ثم حكى البهيقي كلام أحمد في الإيمان وأنه قول وعمل ويزيد وينقص وكلامه في القرآن كلام الله غير مخلوق وإنكاره على من يقول إن لفظة بالقرآن مخلوق يريد به القرآن قال وفيها حكى أبو عمارة وأبو جعفر أخبرنا أحمد شيخنا السراج عن أحمد بن حنبل أنه قال اللفظ محدث واستدل بقوله ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد قال فاللفظ كلام الآدميين وروى غيرهما عن أحمد أنه قال القرآن كيف ما تصرف فيه غير مخلوق وأما أفعالنا فهي مخلوقة قلت وقد قرر البخاري في هذا المعنى في أفعال العباد وذكره أيضا في الصحيح واستدل بقوله عليه السلام "زينوا القرآن بأصواتكم" ولهذا قال غير واحد من الأئمة الكلام كلام الباري والصوت صوت القاري وقد قرر البهيقي ذلك أيضا. وروى البهيقي من طريق اسماعيل بن محمد السلمي عن أحمد أنه قال من قال القرآن محدث فهو كافر ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد أنه أجاب الجهيمة حين احتجوا عليه بقوله تعإلى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون قال يحتمل أن يكون تنزيله الينا هوالمحدث لا الذكر نفسه هو المحدث وعن حبنل عن أحمد أنه قال يحتمل أن يكون ذكر آخر غير القرآن وهو ذكر رسول الله ص أو وعظه إياهم ثم ذكر البهيقي كلام الإمام أحمد وفي رؤية الله في الدار الاخرة واحتج بحديث صهيب في الرؤية وهي زيادة وكلامه في نفي التشبيه وترك الخوض في الكلام والتمسك بما ورد في الكتاب والسنة عن النبي ص وعن أصحابه روى البهيقي عن الحاكم عن أبي عمر بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعإلى وجاء ربك أنه جاء ثوابه ثم قال البهيقي وهذا اسناد لا غبار عليه.وقال الامام أحمد حدثنا أبو بكر بن عياش ثنا عاصم عن زر عن عبدالله هو ابن مسعود قال ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء وقد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه اسناد صحيح قلت وهذا الاثر فيه حكاية اجماع عن الصحابة في تقديم الصديق والأمر كما قاله ابن مسعود وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة وقد قال أحمد حين اجتاز بحمص وقد حمل إلى المأمون في زمن المحنة ودخل عليه عمرو بن عثمان الحمصي فقال له ما تقول في الخلافة فقال أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ومن قدم عليا على عثمان فقد أزرى بأصحاب الشورى لأنهم قدموا عثمان رضي الله عنه.

    ورعه وتقشفه وزهده رحمه الله

    روى البهيقي من طريق المزني عن الشافعي أنه قال للرشيد إن اليمن يحتاج إلى قاض فقال له اختر رجلا نوله إياها فقال الشافعي لأحمد بن حنبل وهو يتردد إليه في جملة من يأخذ عنه ألا تقبل قضاء اليمن فامتنع من ذلك امتناعا شديدا وقال الشافعي اني إنما اختلف اليك لأجل العلم المزهد في الدنيا فتأمرني أن ألي القضاء ولولا العلم لما أكلمك بعد اليوم فاستحى الشافعي منه.
    وروى أنه كان لا يصلي خلف عمه اسحاق بن حنبل ولا خلف بنيه ولا يكلهم أيضا لأنهم أخذو جائزة السلطان ومكث مرة ثلاثة أيام لا يجد ما يأكله حتى بعث إلى بعض أصحابه فاستقرض منه دقيقا فعرف أهله حاجته إلى الطعام وعجنوا وخبزوا له سريعا فقال ما هذه العجلة كيف خبزتم فقالوا وجدنا تنور بيت صالح مسجورا فخبزنا لك فيه فقال ارفعوا ولم يأكل وأمر بسد بابه إلى دار صالح قال البهيقي لأن صالحا أخذ بجائزة السلطان وهو المتوكل على الله وقال عبدالله ابنه مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوما يأكل فيها الا ربع مد سويقا يفطر بعد كل ثلاث ليال على سفه منه حتى رجع إلى بيته ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر وقد رأيت موقية دخلا في حدقتيه قال البهيقي وقد كان الخليفة يبعث إليه المائدة فيها أشياء كثيرة من الأنواع وكان أحمد لا يتناول منها شيئا قال وبعث المأمون مرة ذهبا يقسم على أصحاب الحديث فما بقي منهم أحدا إلا أخذ إلا أحمد بن حنبل فإنه أبى.
    وقال سليمان الشاذ كوني حضرت أحمد وقد رهن سطلا له عند فامى اليمن فلما جاءه بفكاكه اخرج له سطلين فقال خذ متاعك منهما فاشتبه ايهما له فقال انت في حل منه ومن الفكك وتركه وذهب وحكى ابنه عبدالله قال كنا في زمن الواثق في ضبق شديد فيكتب رجل إلى أبي إن عندي أربعة آلاف درهم ورثتها من أبي وليست صدقة ولا زكاة فإن رأيت أن تقبلها فامتنع من ذلك وكرر عليه فأبى فلما كان بعد حين ذكرنا ذلك فقال أبي لوكنا قبلناها كانت ذهبت وأكلناها وعرض عليه بعض التجار عشرة آلاف درهم ربحها من بضاعة جعلها بإسمه فأبى أن يقبلها وقال نحن في كفاية وجزاك الله عن قصدك خيرا وعرض عليه تاجر آخر ثلاثة آلاف دينار فامتنع من قبولها وقام وتركه ونفذت نفقة أحمد وهو في اليمن فعرص عليه شيخه عبدالرزاق ملء كفه دنانير فقال نحن في كفاية ولم يقبلها وسرقت ثيابه وهو في باليمن فجلس في بيته ورد عليه الباب وفقد أصحابه فجاءوا إليه فسألوه فأخبرهم فعرضوا عليه ذهبا فلم يقبله ولم يأخذ منهم إلا دينارا واحد ليكتب لهم به فكتب لهم بالأجر رحمه الله وقال أبو داود كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة لايذكر فيها شيء من أمر الدنيا وما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط وروى البهيقي أن أحمد سأل عن التوكل فقال هو قطع الاستشراف باليأس من الناس فقيل له هل من حجة على هذا قال نعم إن إبراهيم لما رمي به في النار في المنجنيق عرض له جبريل فقال هل لك من حاجة قال أما إليك فلا قال فسل من لك إليه حاجة فقال أحب الأمرين ألي أحبهما إليه .
    وعن أبي جعفر محمد بن يعقوب الصفار قال كنا مع أحمد بن حنبل بسر من رأى فقلنا ادع الله لنا فقال اللهم انك تعلم أنك على أكثر مما نحب فاجعلنا على ما تحب دائما ثم سكت فقلنا زدنا فقال اللهم انا نسألك بالقدرة التي قلت للسموات والارض ائتيا طوعا او كرها قالتا أتينا طائعين اللهم وفقنا لمرضاتك اللهم إنا نعود بك من الفقر الا اليك ونعود بك من الذل الا لك اللهم لا تكثر لنا فنطغى ولا تقل علينا ففنسى وهب لنا من رحمتك وسعة رزقك ما يكون بلاغا لنا في دنيانا وغنى من فضلك قال البهيقي وفي حكاية أبي الفضل التميمي عن أحمد وكان يدعو في السجود اللهم من كان من هذه الامة على غير الحق وهو يظن أنه على الحق فرده إلى الحق ليكون من أهل الحق وكان يقول اللهم إن قبلت عن عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فداء فاجعلني فداء لهم وقال صالح بن أحمد كأن أبي لا يدع أحدا يستقى له الماء للوضوء بل كان يلي ذلك بنفسه فإذا خرج الدلو ملآن قال الحمد لله فقلت يا أبة ما الفائدة بذلك فقال يا بني أما سمعت قول الله عز وجل أرئيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين والأخبار عنه في هذا الباب كثيرة جدا وقد صنف أحمد في الزهد كتابا حافلا عظيما لم يسبق إلى مثله ولم يلحقه أحد فيه والمظنون بل المقطوع به أنه كان يأخذ بما أمكنه منه رحمة الله .
    وقال اسماعيل بن اسحاق السراج قال لي أحمد بن حنبل هل تستطيع أن تريني الحارث المحاسبي إذا جاء منزلك فقلت نعم وفرحت بذلك ثم ذهبت إلى الحارث فقلت له إني أحب أن تحضر الليلة عندي أنت وأصحابك فقال إنهم كثير فأحضر لهم التمر والكسب فلما كان بين العشاءين جاؤا وكان الامام أحمد قد سبقهم فجلس في غرفة بحيث يراهم ويسمع كلامهم ولا يرونه فلما صلوا العشاء الآخرة لم يصلوا بعدها شيئا بل جاؤا بين يدي الحارث سكوتا
    مطرقي الرؤس كأنما على رؤسهما الطير حتى اذا كان قريبا من نصف الليل سأله رجل مسألة فشرع الحارث يتكلم عليها وعلى ما يتعلق بها من الزهد والورع والوعظ فجعل هذا يبكي وهذا يئن وهذا يزعق قال فصعدت الى الامام احمد الى الغرفة فاذا هو يبكي حتى كاد يغشى عليه ثم لم يزالوا كذلك حتى الصباح فلما أرادوا الانصراف قلت كيف رأيت هؤلاء يا ابا عبدالله فقال ما رأيت احدا يتكلم في الزهد مثل هذا الرجل وما رأيت مثل هؤلاء ومع هذا فلا أرى لك أن تجتمع بهم قال البهيقي يحتمل أنه كره له صحبتهم لأن الحارث بن أسد وان كان زاهدا فإنه كان عنده شيء من الكلام وكان أحمد يكره ذلك أو كره له صحبتهم من أجل أنه لايطيق سلوك طريقتهم وما هم عليه من الزهد والورع قلت بل انما كره ذلك لأن في كلامهم من التقشف وشدة السلوك التي يرد بها الشرع والتدقيق والمحاسبة الدقيقة البليغة ما لم بأت بها أمر ولهذا لما وقف أبو زرعة الرازي على كتاب الحارث المسمى بالرعاية قال هذا بدعة ثم قال للرجل الذي جاء بالكتاب عليك بما كان عليه مالك والثوري والأوزاعي والليث ودع عنك هذا فإنه بدعة وقال إبراهيم الحربي سمعت أحمد بن حنبل يقول إن أحببت أن يدوم الله لك على ما تحب فدم له على مايحب وقال الصبر على الفقر مرتبة لاينالها الا الأكابر وقال الفقر أشرف من الغنى فان الصبر عليه مرارة وانزعاجه أعظم حالا من الشكر وقال لا أعدل بفضل الفقر شيئا وكان يقول على العبد أن يقبل الرزق بعد اليأس ولا يقبله إذا تقدمه طمع أو استشراف وكان يحب التقليل من الدنيا لأجل خفة الحساب وقال إبراهيم قال رجل لأحمد هذا العلم تعلمته لله فقال له أحمد هذا شرط شديد ولكن حبب إلى شيء فجمعته وفي رواية أنه قال أما الله فعزيز ولكن حبب إلى شيء فجمعته .
    وروى البهيقي أن رجلا جاء إلى الامام أحمد فقال إن أمي زمنه مقعده منذ عشرين سنه وقد بعثتني اليك لتدعو لها فكأنه غضب من ذلك وقال نخن أحوج أن تدعو هي لنا من أن ندعو لها ثم دعا الله عز وجل لها فرجع الرجل إلى امه فدق الباب فخرجت إليه على رجليها وقالت قد وهبني الله العافية وروى أن سائلا سأل فأعطاه الامام أحمد قطعة فقام رجل إلى السائل فقال هبني هذه القطعة حتى أعطيك عوضها ما تساوي درهما فأبى فرقاه إلى خمسين درهما وهو يأبى وقال إني أرجو من بركتها ما ترجوه انت من بركتها ثم قال البهيقي رحمه الله.

    باب
    : ذكر ما جاء في محنة ابي عبدالله احمد بن حنبل
    في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق بسبب القرآن العظيم وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد والتهديد بالقتل بسوء العذاب وأليم العقاب وقلة مبالاته بما كان منهم في ذلك إليه وصبره عليه وتمسكه بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم وكان أحمد عالما بما ورد بمثل حاله من الآيات المتلوة والأخبار المأثورة وبلغه ما أوصى به في المنام واليقظة فرضي وسلم إيمانا واحتسابا وفاز بخير الدنيا ونعيم ا لآخرة وهيأه الله بما آتاه من ذلك البلوغ أعلى منازل أهل البلاء في الله من أوليائه وألحق به محببيه فيما نال من كرامة الله تعالى إن شاء الله من غير بليه وبالله التوفيق والعصمة .
    قال الله تعإلى بسم الله الرحمن الرحيم (آلم *أحسب الناس أن يتركوا أن يقولون آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) وقال الله تعإلى (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور في سواها معنى ما كتبنا وقد روى الامام أحمد الممتحن في مسنده قائلا فيه حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عاصم بن بهدلة سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
    أي الناس أشد بلاء فقال الانبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الله الرجل على حسب دينه فإن كان رقيق الدين ابتلى هلى حسب ذلك وان كان صلب الدين ابتلى على حسب ذلك وما زال البلاء بالرجل حتى يمشي على الارض وما عليه خطيئة وقد روى مسلم في صحيحه قال حدثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من كن فيه فقد وجد حلاوة الايمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه الا لله وأن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه أخرجاه في الصحيحين
    وقال ابو القاسم البغوي حدثنا أحمد بن حنبل ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان بن عمر السكسكى ثنا عمرو بن قيس السكوني ثنا عاصم بن حميد قال سمعت معاذ بن جبل يقول انكم لم تروا الا بلاء وفتنة ولن يزداد الامر الا شدة ولا الأنفس الا شحا وبه قال معاذ لن تروا من الائمة الا غلطة ولن تروا أمرا يهولكم ويشتد عليكم الا حضر بعده ما هو أشد منه قال البغوي سمعت أحمد يقول اللهم رضنا وروى البهيقي عن الربيع قال بعثني الشافعي بكتاب من مصر إلى أحمد بن حنبل فأتيته وقد انفتل من صلاة الفجر فدفعت إليه الكتاب فقال أقرأته فقلت لا فأخذه فقرأه فدمعت عيناه فقلت يا أبا عبدالله وما فيه فقال يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال اكتب إلى عبد الله احمد بن حنبل وأقرأ عليه السلام مني وقل له إنك ستمتحن وتدعى إلى القول بخلق القرآن فلا تجبهم ويرفع الله لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت حلاوة البشارة فخلع قميصة الذي يلي جلده فأعطانيه فلما رجعت إلى لشافعي اخبرته فقال إني لست أفجعك فيه ولكن بله بالماء وأعطينيه حتى اتبرك به .

    ملخص الفتنة والمحنة من كلام أئمة السنة أثابهم الله الجنة

    قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل قال البهيقي ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أميه وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم فلما ولى هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد اسحاق بن إبراهيم ن مصعب يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن واتفق له ذلك آخر عمره قبل موته بشهور سنة ثماني عشرة ومائتين فلما وصل الكتاب كما ذكرنا استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح الجند يسابوري فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد فلما كانا ببلاد الرحبة جاءهما رجل من الإعراب من عبادهم يقال له جابر بن عامر فسلم على الإمام احمد وقال له يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة وان كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فانه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وان عشت عشت حميدا قال احمد وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك الذي يدعونني إليه فلما اقترابا من جيش الخليفة ونزلوا بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول يعز على أبا عبدالله إن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف قال فجثى والإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أولياءك بالضرب والقتل اللهم فإن لم يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته قال فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل قال أحمد ففرحنا ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد انضم إليه أحمد بن أبي داوود وان الأمر شديد فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الاسارى ونالني منهم اذى كثير وكان في رجليه القيود ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق وصلى عليه أحمد فلما رجع احمد إلى بغداد دخلها في رمضان فأودع في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهرا وقيل نيفا وثلاثين شهرا ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه.

    ذكر ضربه رضي الله عنه بين يدي المعتصم

    لما أحضره المعتصم من السجن زاد في قيوده قال أحمد فلم استطع أن أمشي بها فربطتها في السكة وحملتها بيدي ثم جأوني بدابة فحملت عليها فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود وليس معي أحد يمسكني فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم فأدخلت في بيت وأغلق علي وليس عندي سراج فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذ أنا على القبلة والحمد لله ثم دعيت فأدخلت على المعتصم فلما نظر إلي وعنده ابن دؤاد قال أليس قد زعمتم أنه حدث السن وهذا شيخ مكهل فلما دنوت منه وسلمت قال لي ادنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال اجلس فجلست وقد أثقلني الحديد فمكثت ساعة ثم قلت يا أمير المؤمنين إلى ما دعا إليه ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إلى شهادة أن لا اله إلا الله قلت فإني أشهد أن لاإله إلا الله قال ثم ذكرت له حديث ابن عباس في وفد عبد القيس ثم قلت فهذا الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم تكلم ابن أبي دؤاد بكلام لم أفهمه وذلك أني لم أتفقه كلامه ثم قال المعتصم لولا انك كنت في يد من قبلي لم أتعرض إليك ثم قال يا عبد الرحمن ألم آمرك أن ترفع المحنة قال أحمد فقلت الله أكبر هذا فرج المسلمين ثم قال ناظره يا عبد الرحمن كلمة فقال لي عبد الرحمن ما تقول في القرآن فلم أجبه فقال المعتصم أجبه فقلت ما تقول في العلم فسكت فقلت القرآن من علم الله ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله فسكت فقالو فيما بينهم يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا فلم يلتفت إلى ذلك فقال عبد الرحمن كان الله ولا قرآن فقلت كان الله ولا علم فسكت فجعلوا يتكلمون من ههنا وههنا فقلت يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به فقال ابن دؤاد وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا فقلت وهل يقوم الإسلام إلا بهما وجرت مناظرات طويلة واحتجوا عليه بقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وبقوله الله خالق كل شيء وأجاب بما حاصله أنه عام مخصوص بقوله تدمر كل شيء بأمر ربها فقال ابن ابي دؤاد هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع وهنا قضاتك والفقهاء فسلهم فقال لهم ما تقولون فأجابوا بمثل ما قال ابن أبي دؤاد ثم أحضروه في اليوم الثاني وناظروه أيضا ثم في اليوم الثالث وفي ذلك كله كان يعلو صوته عليهم وتغلب حجته حججهم قال فإذا سكتوا فتح الكلام عليهم ابن أبي دؤاد وكان من أجهلهم بالعلم والكلام وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة ولا علم لهم بالنقل فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها وسمعت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحدا يقولها وقد تكلم معي ابن غوث بكلام طويل ذكر فيه الجسم وغيره بما لا فائدة فيه فقلت لا أدرى ما تقول إلا إني أعلم أن الله أحد صمد وليس كمثله شيء فسكت عني وقد أوردت لهم حديث لرؤية في الدار الآخرة فحاولوا أن يضعفوا إسناده ويلفقوا عن بعض المحدثين الحدثين كلاما يتساقون به إلى الطعن فيه وهيهات واني لهم التناوش من مكان بعيد وفي غبون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي فأقول يا أمير المؤمنين يأتوني بآية من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجبهم إليها .واحتج أحمد عليهم حين أنكروا الآثار بقوله تعالى (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) وبقوله (وكلم الله موسى تكليما) وبقوله (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني) وبقوله (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ونحو ذلك من الآيات فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة فقالوا يا أمير المؤمنين هذا كافر ضال مضل وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين فعند ذلك حمى واشتد غضبه وكان ألينهم عريكة وهو يظن أنهم على شيء قال احمد فعند ذلك قال لي لعنك الله طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني ثم قال خذوه واخلعوه واسحبوه قال أحمد فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بي بالعاقبين والسياط وأنا أنظر وكان معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مصرورة في ثوبي فجردوني منه وصرت بين العقابين فقلت يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث وتلوت الحديث وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم فبم تستحل دمي ولم آت شيئا من هذا يا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين الله كوقوفي بين يديك فكأنه أمسك ثم لايزالوا يقولون له يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له يعني المعتصم شد قطع الله يدك ويجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك فضربني أسواطا فأغمي علي وذهب عقلي مرارا فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي وقام المعتصم إلى يدعوني إلى قولهم فلم أجبه وجعلوا يقولون ويحك الخليفة على رأسك فلم أقبل وأعادوا الضرب ثم عاد إلي فلم أجبه فأعادوا الضرب ثم جاء إلى الثالثة فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب وأرعبه ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطا وقيل ثمانين سوطا لكن كان ضربا مبرحا شديدا جدا وقد كان الإمام أحمد رجلا طويلا رقيقا أسمر اللون كثير التواضع رحمه الله.
    ولما حمل من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم أتوه بسويق ليفطر من الضعف فامتنع من ذلك وأتم صومه وحين حضرت صلاة الظهر صلى معهم فقال ابن سماعة القاضي وهل صليت في دمك فقال له أحمد قد صلى عمر وجرحه يثعب دما فسكت. ويروى أنه لما أقيم ليضرب انقطعت تكة سراويله فخشى أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا لله فعاد سراويله كما كان ويروى أنه يقال يا غياث المستغيثين يا إله العالمين إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة .ولما رجع إلى منزله جاءه الجرايحي فقطع لحما ميتا من جسده وجعل يداويه والنائب في كل وقت يسأل عنه وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا وجعل يسأل النائب عنه والنائب يستعلم خبره فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك ولما شفاه الله بالعافية بقي مده وإبهاماه يؤذيهما البرد وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة وكان يتلو في ذلك قوله تعالى (وليعفوا وليصفحوا.... الآية) ويقول ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك وقد قال تعالى( فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) وينادي المنادي يوم القيامة ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث أقسم عليهن ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه الله وكان الذين ثبتوا على الفتنة فلم يجيبوا بالكلية أربعة أحمد بن حنبل وهو رئيسهم ومحمد بن نوح بن ميمون الجند يسابوري ومات في الطريق ونعيم بن حماد الخزاعي وقد مات في السجن وأبو يعقوب البويطي وقد مات في سجن الواثق على القول بخلق القرآن وكان مثقلا بالحديد وأحمد بن نصر الخزاعي وقد ذكرنا كيفية مقتله.

    ثناء الأئمة على الامام أحمد بن حنبل

    قال البخاري لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول لو كان أحمد في بنى إسرائيل لكان أحدوثه وقال إسماعيل بن الخليل لو كان أحمد في بنى إسرائيل لكان نبيا وقال المزني أحمد بن حنبل يوم المحنة وأبو بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلى يوم الجمل وصفين وقال حرملة سمعت الشافعي يقول خرجت من العراق فما تركت رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل وقال شيخ أحمد يحي بن سعيد القطان ما قدم على بغداد أحد أحب إلى من أحمد بن حنبل وقال قتيبة مات سفيان الثوري ومات الورع ومات الشافعي وماتت السنن ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع وقال إن أحمد ابن حنبل قام في الأمة مقام النبوة قال البيهقي يعنى في صبره على ما أصابه من الأذى في ذات الله وقال أبو عمر بن النحاس وذكر أحمد يوما فقال رحمه الله في الدين ما كان أبصره وعن الدنيا ما كان أصبره وفي الزهد ما كان أخبره وبالصالحين ما كان ألحقه وبالماضين ما كان أشبهه عرضت عليه الدنيا فأباها والبدع فنفاها وقال بشر الحافي بعد ما ضرب أحمد بن حنبل أدخل أحمد الكير فخرج ذهبا أحمر وقال الميموني قال لي على بن المديني بعد ما امتحن أحمد وقيل قبل أن يمتحن يا ميمون ما قام أحد في الاسلام ما قام أحمد بن حنبل فعجبت من هذا عجبا شديدا وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فحكيت له مقالة على بن المديني فقال صدق إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصارا وأعوانا وإن أحمد بم حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان ثم أخذ أبو عبيد يطرى أحمد ويقول لست أعلم في الاسلام مثله وقال إسحاق بن راهويه أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه وقال على بن المدينى إذا ابتليت بشيء فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان وقال أيضا إني اتخذت أحمد حجة فيما بينى وبين الله عز وجل ثم قال ومن يقوى على ما يقوى عليه أبو عبد الله وقال يحيى بن معين كان في أحمد بن حنبل خصال مارأيتها في عالم قط كان محدثا وكان حافظا وكان عالما وكان ورعا وكان زاهدا وكان عاقلا.
    وقال يحي بن معين أيضا أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل والله ما نقوى أن نكون مثله ولا نطيق سلوك طريقة وقال الذهلي اتخذت أحمد حجة فيما بينى وبين الله وقال هلال بن المعلى الرقي من الله على هذه الأمة بأربعة الشافعي فهم الأحاديث وفسرها وبين مجملها من مفصلها والخاص والعام والناسخ والمنسوخ وبأبي عبيد بين غريبها وبيحي بن معين نفى الكذب عن الأحاديث وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة لولا هولاء الأربعة لهلك الناس وقال أبو بكر ابن أبي داود أحمد بن حنبل مقدم على كل من يحمل بيدة قلما ومحبرة يعنى في عصره وقال أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ولا رأيت من رأى مثله وقال أبو زرعة الرازي ما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه منه وروى البيهقي عن الحاكم عن يحي بن محمد العنبري قال أنشدنا أبو عبد الله البوسندي في أحمد بن حنبل رحمه الله

    إن ابن حنبل ان سألت إمامنا * وبه الأئمة في الأنام تمسكوا

    خلف النبي محمدا بعد الألى * خلفوا الخلائف بعده واستهلكوا
    حذو الشراك على الشراك وإنما * يحذو المثال مثاله المستمسك


    وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وروى البيهقي عن أبى سعيد المالينى عن ابن عدى عن أبي القاسم البغوى عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن بقية بن الوليد عن معاذ بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ح قال البغوي وحدثنى زياد بن أيوب حدثنا مبشر عن معاذ عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ح قال البغوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وهذا الحديث مرسل وإسناده فيه ضعف والعجب أن ابن عبد البر صححه واحتج به على عدالة كل من حمل العلم والامام أحمد من أئمة أهل العلم رحمه الله واكرم مثواه.

    ما كان من أمر الإمام أحمد بعد المحنة
    حين خرج من دار الخلافة صار إلى منزله فدووى حتى برأ ولله الحمد ولزم منزله فلا يخرج منه إلى جمعه ولا جماعة وامتنع من التحديث وكانت غلته من ملك له في كل شهر سبعة عشر درهما ينفقها على عياله ويتقنع بذلك رحمه الله صابرا محتسبا ولم يزل كذلك مدة خلافة المعتصم وكذلك في أيام ابنه محمد الواثق فلما ولى المتوكل على الله الخلافة استبشر الناس بولايته فانه كان محبا للسنة وأهلها ورفع المحنة عن الناس وكتب إلى الآفاق لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن ثم كتب إلى نائبه ببغداد وهو إسحاق بن إبراهيم أن يبعث بأحمد بن حنبل إليه فاستدعى اسحاق بالامام احمد اليه فأكرمه وعظمه لما يعلم من اعظام الخليفة له واجلاله اياه وسأله فيما بينه وبينه عن القرآن فقال له أحمد سؤالك هذا سؤال تعنت أو استرشاد فقال بل سؤال استرشاد فقال هو كلام الله منزل غير مخلوق فسكن إلى قوله في ذلك ثم جهزه إلى الخليفة إلى سر من رأى ثم سبقه إليه وبلغه أن أحمد اجتاز بابنه محمد بن إسحاق فلم يأته ولم يسلم عليه فغضب إسحاق بن إبراهيم من ذلك وشكاه إلى الخليفة فقال المتوكل يرد إن كان قد وطئ بساطي فرجع الامام أحمد من الطريق إلى بغداد وقد كان الامام أحمد كارها لمجيئه إليهم ولكن لم يهن ذلك على كثير من الناس وإنما كان رجوعه عن قول إسحاق بن إبراهيم الذي كان هو السبب في ضربه ثم إن رجلا من المبتدعة يقال له ابن البلخي وشى إلى الخليفة شيئا فقال إن رجلا من العلويين قد أوى إلى منزل أحمد بن حنبل وهو يبايع له الناس في الباطن فأمر الخليفة نائب بغداد ان يكبس منزل احمد من الليل فلم يشعروا إلا والمشاعل قد أحاطت بالدار من كل حانب حتى من فوق الأسطحة فوجدوا الامام أحمد جالسا في داره مع عياله فسألوه عما ذكر عنه فقال ليس عندي من هذا علم وليس من هذا شيء ولا هذا من نيتى وإني لأرى طاعة أمير المؤمنين في السر والعلانية وفي عسري ويسري ومنشطي ومكرهي وأثره على وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار في كلام كثير ففتشوا منزله حتى مكان الكتب وبيوت النساء والأسطحة وغيرها فلم يروا شيئا فلما بلغ وقد كان في حداثته يختلف إلى مجلس القاضي أبي يوسف ثم ترك وأقبل على سماع الحديث فكان أول طلبه للحديث وأول سماعه من مشايخه في سنة سبع وثمانين ومائة وقد بلغ من العمر ست عشر سنة وأول حجة حجها في سنة سبع وثمانين ومائة ثم سنة احدى وتسعين وفيها حج الوليد بن مسلم ثم سنة ست وتسعين وجاور في سنة سبع وتسعين ثم حج في سنة ثمان وتسعين وجاور إلى سنة تسع وتسعين وسافر إلى عند عبد الرازق إلى اليمن فكتب عنه هو ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه قال الامام أحمد حججت خمس حجج منها ثلاث راجلا انفقت في احدى هذه الحجات ثلاثين درهما قال وقد ضللت في بعضها الطريق وأنا ماش فجعلت أقول يا عباد الله دلوني على الطريق فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق قال وخرجت إلى الكوفة فكنت في بيت تحت رأسي لبنة ولو كان عندي تسعون درهما كنت رحلت إلى جرير بن عبد الحميد إلى الري وخرج بعض اصحابنا ولم يمكني الخروج لأنه لم يكن عندي شيء.
    المتوكل ذلك وعلم براءته مما نسب إليه علم أنهم يكذبون عليه كثيرا فبعث إليه يعقوب بن إبراهيم المعروف بقوصرة وهو أحد الحجبة بعشرة آلاف درهم من الخليفة وقال هو يقرأ عليك السلام ويقول استنفق هذه فامتنع من قبلوها فقال يا أبا عبد الله إني أخشى من ردك إياها أن يقع وحشة بينك وبينه والمصلحة لك قبولها فوضعها عنده ثم ذهب فلما كان من آخر الليل استدعى أحمد أهله وبنى عمه وعياله وقال لم أثم هذه الليلة من هذا المال فجلسوا وكتبوا أسماء جماعة من المحتاجين من أهل الحديث وغيرهم من أهل بغداد والبصرة ثم أصحب ففرقها في الناس ما بين الخمسين إلى المائة والمائتين فلم يبق منها درهما وأعطى منها لأبي أيوب وأبي سعيد الأشج وتصدق بالكيس الذي كانت فيه ولم يعط منها لأهله شيئا وهم في غاية الفقر والجهد وجاء بنوا ابنه فقال اعطنى درهما فنظر أحمد إلى ابنه صالح فتناول صالح قطعة فأعطاها الصبي فسكت أحمد وبلغ الخليفة أنه تصدق بالجائزة كلها حتى كيسها فقال على بن الجهم يا أمير المؤمنين إنه قد قبلها منك وتصدق بها عنك وماذا يصنع أحمد بالمال إنما يكفيه رغيف فقال صدقت.
    فلما مات إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد ولم يكن بيهما إلا القريب وتولى نيابة بغداد عبد الله ابن إسحاق كتب المتوكل إليه أن يحمل إليه الامام أحمد فقال لأحمد في ذلك فقال إني شيخ كبير وضعيف فرد الجواب على الخليفة بذلك فأرسل يعزم عليه لتأتينى وكتب إلى أحمد إني أحب أن آنس بقربك وبالنظر إليك ويحصل لى بركة دعائك فسار إليه الامام أحمد وهو عليل في بنيه وبعض اهله فلما قارب العسكر تلقاه وصيف الخادم في موكب عظيم فسلم وصيف على الامام احمد فرد السلام وقال له وصيف قد أمكنك الله من عدوك ابن أبي داؤد فلم يرد عليه جوابا وجعل ابنه يدعو الله للخليفة ولوصيف فلما وصلوا إلى العسكر بسر من رأى أنزل أحمد في دار إيتاخ فلما علم بذلك ارتحل منها وأمر أن يستكرى له دار غيرها وكان رؤس الأمراء في كل يوم يحضرون عنده ويبلغونه عن الخليفة السلام ولا يدخلون عليه حتى يقلعون ما عليهم من الزينة والسلاح وبعث إليه الخليفة بالمفارش الوطيئة وغيرها من الآلات التي تليق بتلك الدار العظيمة وأراد منه الخليفة أن يقيم هناك ليحدث الناس عوضا عما فاتهم منه في أيام المحنة وما بعدها من السنين المتطاولة فاعتذر إليه عليل وأسنانه تتحرك وهو ضعيف كان الخليفة يبعث إليه في كل يوم مائدة فيا ألوان الأطعمة والفاكهةوالثلج مما يقاوم مائة وعشرين درهما في كل يوم والخليفة يحسب أنه يأكل من ذلك ولم يكن أحمد بأكل شيئا من ذلك بالكلية بل كان صائما يطوى فمكث ثمانية أيام لم يستطعم بطعام ومع ذلك هو مريض ثم أقسم عليه ولده حتى شرب قليلا من السويق بعد ثمانية أيام وجاء عبيد الله بن يحيى بن خاقان بمال جزيل من الخليفة جائزة له فامتنع من قبوله فألح عليه الأمير فلم يقبل فأخذها الأمير ففرقها على بنيه وأهله وقال إنه لا يمكن ردها على الخليفة وكتب الخليفة لأهله وأولاده في كل شهر بأربعة آلاف درهم فمانع أبو عبد الله الخليفة فقال الخليفة لا بد من ذلك وما هذا إلا لولدك فأمسك أبو عبد الله عن مما نعته ثم أخذ يلوم أهله وعمه وقال لهم إنما بقي لنا أيام قلائل وكأننا قد نزل بنا الموت فاما إلى جنة وإما إلى نار فنخرج من الدنيا وبطوننا قد أخذت من مال هؤلاء في كلام طويل يعظهم به فاحتجوا عليه بالحديث الصحيح ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مستشرف فخذه وأن ابن عمر وابن عباس قبلا جوائز السلطان فقال وما هذا وذاك سواء ولو أعلم أن هذا المال أخذ من حقه وليس بظلم ولا جور لم أبال.
    ولما استمر ضعفه جعل المتوكل يبعث إليه ما سويه المتطبب لنيظر في مرضه فرجع إليه فقال يا أمير المؤمنين إن أحمد ليس به علة في بدنه وإنما علته من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة فسكت المتوكل ثم سألت أم الخليفة منه أن ترى الامام أحمد فبعث المتوكل إليه يسأله أن يجتمع بابنه المعتز ويدعو له وليكن في حجرة فتمنع من ذلك ثم أجاب إليه رجاء أن يعجل برجوعه إلى أهله ببغداد وبعث الخليفة إليه بخلعة سنية ومركوب من مراكبه فامتنع من ركوبه لأنه عليه ميثرة نمور فجيء ببغل لبعض التجار فركبه وجاء إلى مجلس المعتز وقد جلس الخليفة وأمه في ناحية في ذلك المجلس من وراء ستر رقيق فلما جاء أحمد قال سلام عليكم وجلس ولم يسلم عليه بالامرة فقالت أم الخليفة الله الله يا بنى في هذا الرجل ترده إلى أهله فإن هذا ليس ممن يريد ما أنتم فيه وحين رأى المتوكل أحمد قال لأمه يا أمه قد تأنست الدار وجاء الخادم ومعه خلعة سنية مبطنة وثوب وقلنسوة وطيلسان فألبسها أحمد بيده وأحمد لا يتحرك بالكلية قال الامام أحمد ولما جلست إلى المعتز قال مؤدبه أصلح الله الأمير هذا الذي أمر الخليفة أن يكون مؤدبك فقال إن علمنى شيئا تعلمته قال أحمد فتعجبت من ذكائه في صغره لأنه كان صغيرا جدا فخرج أحمد عنهم وهو يستغفر الله ويستعيذ بالله من مقته وغضبه.
    ثم بعد أيام أذن له الخليفة بالانصراف وهيأ له حزاقة فلم يقبل أن ينحدر فيها بل ركب في زورق فدخل بغداد مختفيا وأمر أن تباع تلك الخلعة وأن يتصدق بثمنها على الفقراء والمساكين وجعل أياما يتألم من اجتماعه بهم ويقول سلمت منهم طول عمري ثم ابتليت بهم في آخره وكن قد جاع عندهم جوعا عظيما كثيرا حتى كاد أن يقتله الجوع وقد قال بعض الأمراء للمتوكل إن أحمد لا يأكل لك طعاما ولا يشرب لك شرابا ولا يجلس على فرشك ويحرم ما تشربه فقال والله لو نشر المعتصم وكلمنى في أحمد ما قبلت منه وجعلت رسل الخليفة تفد إليه في كل يوم تستعلم أخباره
    وكيف حاله وجعل يستفتيه في أموال ابن أبي داؤد فلا يجيب بشيء ثم إن المتوكل أخرج ابن أبي داؤد من سر من رأى إلى بغداد بعد أن أشهد عليه نفسه ببيع ضياعه واملاكه واخذ امواله كلها قال عبد الله بن أحمد وحين رجع أبي من سامرا وجدنا عينيه قد دخلتا في موقيه وما رجعت إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر وامتنع أن يدخل بيت قرابته أو يدخل بيتا هو فيه أو ينتفع بشيء مما هم فيه لأجل قبولهم أموال السلطان.
    وكان مسير أحمد إلى المتوكل في سنة سبع وثلاثين ومائتين ثم مكث إلى سنة وفاته وكل يوم إلا ويسأل عنه المتوكل ويوفد إليه في أمور يشاوره فيها ويستشيره في أشياء تقع له ولما قدم المتوكل بغداد بعث إليه ابن خاقان ومعه ألف دينار ليفرقها على من يرى فامتنع من قبولها وتفرقتها وقال إن أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره فردها وكتب رجل رقعة إلى المتوكل يقول يا أمير المؤمنين إن أحمد يشتم آباءك ويرميهم بالزندقة فكتب فيها المتوكل أما المأمون فانه خلط فسلط الناس على نفسه وأما أبي المعتصم فإنه كان رجل حرب ولم يكن له بصر بالكلام وأما أخي الواثق فإنه استحق ما قيل فيه ثم أمر أن يضرب الرجل لذي رفع إليه الرقعة مائتي سوط فأخذه عبد الله بن إسحاق ابن إبراهيم فضربه خمسمائة سوط فقال له الخليفة لم ضربته خمسمائة سوط فقال مائتين لطاعتك ومائتين لطاعة الله ومائة لكونه قذف هذا الشيخ الرجل الصالح أحمد بن حنبل.
    وقد كتب الخليفة إلى أحمد يسأله عن القول في القرآن سؤال استرشاد واستفادة لا سؤال تعنت ولا امتحان ولا عناد فكتب إليه أحمد رحمه الله رسالة حسنة فيها آثار عن الصحابة وغيرهم وأحاديث مرفوعة وقد أوردها ابنه صالح في المحنة التي ساقها وهي مروية عنه وقد نقلها غير واحد من الحفاظ .

    وفاة الإمام أحمد بن حنبل

    قال ابنه صالح كان مرضه في أول ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومائتين ودخلت عليه يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول وهو محموم يتنفس الصعداء وهو ضعيف فقلت يا أبت ما كان غداؤك فقال ماء الباقلا ثم إن صالحا ذكر كثرة مجيء الناس من الأكابر وعموم الناس لعيادته وكثرة حرج الناس عليه وكان معه خريقة فيها قطيعات ينفق على نفسه منها وقد أمر ولده عبد الله أن يطالب سكان ملكه وأن يكفر عنه كفارة يمين فأخذ شيئا من الأجرة فاشترى تمرا وكفر عن أبيه وفضل من ذلك ثلاثة دراهم وكتب الامام أحمد وصيته:
    بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أحمد بن حنبل أوصى أنه يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأوصى من أطاعه من أهله وقرابته أن يعبدوا الله في العابدين وأن يحمدوه في الحامدين وأن ينصحوا المسلمين وأوصى أني قد رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وأوصى لعبد الله بن محمد المعروف ببوران على نحوا من خمسين دينارا وهو مصدق فيها فيقضى ماله على من غلة الدار إن شاء الله فاذا استوفى أعطى ولد صالح كل ذكر وأنثى عشرة دراهم
    ثم استدعى بالصبيان من ورثته فجعل يدعو لهم وكان قد ولد له صبي قبل موته بخمسين يوما فسماه سعيدا وكان له ولد آخر اسمه محمد قد مشى حين مرض فدعاه فالتزمه وقبله ثم قال ما كنت أصنع بالولد على كبر السن فقيل له ذرية تكون بعدك يدعون لك قال وذاك إن حصل وجعل يحمد الله تعالى وقد بلغه في مرضه عن طاوس أنه كان يكره أنين المريض فترك الأنين فلم يئن حتى كانت الليلة التي توفي في صبيحتها أن وكانت ليلة الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول من هذه السنة فأن حين اشتد به الوجع وقد روى عن ابنه عبد الله ويروى عن صالح أيضا أنه قال حين احتضر أبى جعل يكثر أن يقول لا بعد لا بعد فقلت يا أبة ما هذه اللفظة التي تلهج بها في هذه الساعة فقال يا بنى إن إبليس واقف في زواية البيت وهو عاض على اصبعه وهو يقول فتنى يا أحمد فأقول لا بعد لا بعد يعنى لا يفوته حتى تخرج نفسه من جسده على التوحيد كما جاء في بعض الأحاديث قال إبليس يارب وعزتك وجلالك ما أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الله وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
    وأحسن ما كان من أمره أنه أشار إلى أهله أن يوضؤه فجعلوا يوضؤنه وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي وهو يذكر الله عز وجل في جميع ذلك فما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله ورضى عنه وقد كانت وفاته يوم الجمعه حين مضى منه نحو من ساعتين فاجتمع الناس في الشوارع وبعث محمد بن طاهر حاجبه ومعه غلمان ومعهم مناديل فيها أكفان وأرسل يقول هذا نيابة عن الخليفة فانه لو كان حاضرا لبعث بهذا فأرسل أولاده يقولون إن أمير المؤمنين كان قد أعفاه في حياته مما يكره وأبوا أن يكفنوه بتلك الأكفان وأتى بثوب كان قد غزلته جاريته فكفنوه واشتروا معه عوز لفافة وحنوطا واشتروا له رواوية ماء وامتنعوا ان يغسلوه بماء بيوتهم لأنه كان قد هجر بيوتهم فلا يأكل منها ولا يستعير من أمتعتهم شيئا وكان لا يزال متغضبا عليهم لأنهم كانوا يتناولون ما رتب لهم على بيت المال وهو في كل شهر أربعة آلاف درهم وكان لهم عيال كثيرة وهم فقراء وحضر غسله نحو من مائة من بيت الخلافة من بنى هاشم فجعلوا يقبلون بين عينيه ويدعون له ويترحمون عليه رحمه الله وخرج الناس بنعشه والخلائق حوله من الرجال والنساء ما لم يعلم عددهم إلا الله ونائب البلد محمد بن عبد الله بن طاهر واقف في جملة الناس ثم تقدم فعزى أولاد الامام أحمد فيه وكان هو الذي أم الناس في الصلاة عليه وقد أعاد جماعة الصلاة عليه عند القبر وعلى القبر بعد أن دفن من أجل ذلك ولم يتسقر في قبره رحمه الله إلا بعد صلاة العصر وذلك لكثرة الخلق.
    وقد روى البيهقي وغير واحد أن الأمير محمد بن طاهر أمر بحزر الناس فوجدوا ألف ألف وثلثمائة ألف وفي رواية وسبعمائة ألف سوى من كان في السفن وقال ابن أبي حاتم سمعت أبا زرعة يقول بلغنى أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه حيث صلوا على الامام أحمد بن حنبل فبلغ مقاسه ألفي ألف وخمسمائة ألف قال البيهقي عن الحاكم سمعت أبا بكر أحمد بن كامل القاضي يقول سمعت محمد بن يحي الزنجاني سمعت عبد الوهاب الواراق يقول ما بلغنا أن جمعا في الجاهلية ولا في الاسلام اجتمعوا في جنازة أكثر من الجمع الذي اجتمع على جنازة أحمد بن حنبل فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول حدثنى محد بن العباس المكي سمعت الوركاني جار أحمد ابن حنبل قال أسلم يوم مات أحمد عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس وفي بعض النسخ أسلم عشرة آلاف بدل عشرين ألفا فالله أعلم. وقال الدارقطني سمعت أبا سهل بن زياد سمعت عبد الله بن أحمد يقول سمعت أبي يقول قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز حين تمر وقد صدق الله قول أحمد في هذا فانه كان إمام السنة في زمانه وعيون مخالفيه أحمد بن أبي داؤد وهو قاضي قضاة الدنيا لم يحتفل أحد بموته ولم يلتفت إليه ولما مات ما شيعه إلا قليل من أعوان السلطان وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زهده وورعه وتنقيره ومحاسبته نفسه في خطراته وحركاته لم يصل عليه إلا ثلاثة أو أربعة من الناس وكذلك بشر بن غياث المريسى لم يصل عليه إلا طائفة يسيرة جدا فلله الأمر من قبل ومن بعد وقد روى البيهقي عن حجاج بن محمد الشاعر أنه قال ما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ولم أصل على الامام أحمد وروى عن رجل من أهل العلم أنه قال يوم دفن أحمد دفن اليوم سادس خمسة وهم أبو بكر وعمر وعلى وعمر بن عبد العزيز وأحمد وكان عمره يوم مات سبعا وسبعين سنة وأياما أقل من شهر رحمه الله تعالى.
    منقول بتصرف ودمتم سالمين غانمين

ADs

قم بتسجيل دخولك للمنتدي او

الانضمام لمبتعث

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.