طلابنا في المغترب
عبدالله حسن العبدالباقيحانت لي الفرصة، أن أزور الولايات المتحدة الأمريكية، للتعرف عن كثب على أحوال ابني وابنتي اللذين يدرسان في جامعاتها. الأمر الذي أعطاني فرصة اللقاء ببعض أبنائنا الطلبة من كل المناطق والتعرف على أحوالهم والإطلاع على مقدار الأثر الذي تتركه الحياة في بلاد أخرى، على طرق التفكير وأساليب التعامل مع بعضهم ومع الآخرين. وأعتقد، من وجهة نظري، انه من المفيد الحديث عن الرؤية والانطباعات التي خرجت بها من هذه اللقاءات، علها تساهم في طرح الحلول ولو مستقبلا.
ما وجدته، أن معظم شبابنا لم يغادر، ليس فقط مجتمعه، بل لم يغادر حارته أو قريته التي أتى منها. قد يكونون قد غادروا الجغرافيا، لكنهم بالتأكيد لم يغادروا أساليب وطرق التفكير. ما تغير بالنسبة إليهم، ربما مساحة الحرية، التي ولشديد الأسف تتركز في اللهو المبالغ فيه بل المجون الذي لا ينتمي لحضارة. والغريب في الأمر أن الموقف لا يتعدى التطرف. فإما تشدد وانغلاق، وإما الوقوع في حضن العبث. والجميع من هؤلاء يحمل نفس الأمراض الاجتماعية التي تناقشها صحافتنا.
المناطقية ستجدها متجسدة بوضوح، وعلى شكل شلل. وينعكس ذلك حتى على الانتخابات للأندية الطلابية والاتحادات الطلابية بكل شوفينية وإقصاء. وإن بحثت عن علاقة الجميع بالثقافة والمكتبات والمتاحف التي لا حصر لها في الولايات المتحدة، فستجدهم جميعا غرباء للدرجة التي لا يعرف البعض منهم إن كانت هناك متاحف أو مكتبات عامة في المدن التي يعيشون بها
أما علاقاتهم بالمرأة فذاك حديث ذو شجون، حيث يبقى المرض المتأصل في مجتمعنا، يعلن عن نفسه في كل حين. فبدل أن تعلمهم مقاعد الدراسة أن المرأة التي بجانبهم هي عقل وكفاءة وقدرة، تبقى بالنسبة إلى معظم أبنائنا، مجرد جسد أو بعض منه وتصبح هدفا للاقتناص. وما أن تبتسم إحداهن لواحد منهم حتى يتخيل أنها أصبحت محضيته للدرجة التي ممكن أن يثير عراكا مع احد زملائه لو ابتسم لها. وبهذا أصبح «السعودي» عند أغلب النساء بل والمجتمع الذي يعيش فيه، مجرد هاجس جسدي.
أما العلاقة بالدراسة، التي هي المهمة الأولى التي يدفع ثمنها الوطن، فهي في آخر الاهتمامات. حتى مجرد حضور الحصص يصبح محلا للتلاعب والتساهل، ويتفاخر البعض بطرق الغش والتحايل على مدرسيهم الذين يتعاملون من منطلق قيم أخرى غير التي عليها أبناؤنا ويصبح المطلوب هنا مجرد الشهادة «الورقة « التي سيتم التفاخر يوما بالحصول عليها رغم خلوها من المضمون الذي تمثله.
أما فتياتنا اللاتي عودتهن حياتهن في الوطن على مغالبة الحياة فعلاقتهن بالدراسة مختلفة تماما. فمن الصعب للغاية أن تجد فتاة سعودية فاشلة دراسيا. لكنهن أيضا يقتصرن في حياتهن هنا على الدراسة، وكأن الحياة والتعلم مقتصران عليها. فهن إما يخضعن لعاداتهن المحافظة جدا والمنغلقة جدا التي تكبح قدراتهن على التعامل مع كل شؤون الحياة والقيم، وإما يتم محاصرتهن من قبل دعاة «الفضيلة « من رجال ونساء.
حديثي هذا لا يعني بحال من الأحوال الدعوة إلى غلق باب الابتعاث للخارج، هذا الباب الذي فتحه خادم الحرمين الشريفين بغية تطوير مجتمعنا واكتساب وتوطين التقنية ،فرغم وجود هذه الصورة السوداوية إلا أن هناك الكثيرين هنا ممن استفادوا من هذه الفرصة التي أعطيت لهم وتلمس بالفعل مدى هذه الاستفادة في القيم والسلوك الذي يتعاملون به حيث الصدق والأمانة والمسؤولية والحرص على سمعتهم الشخصية وسمعة وطنهم. لكنهم يبقون أقلية تشتهي أن تلتقيها، لكنه يطرح سؤالا أساسيا هو: ما الذي يجعل من معظم أبنائنا بالتحديد، رغم وجود كل جنسيات العالم في هذا البلد، بهذه الطريقة من التفكير والسلوك؟ المسألة هنا مرتبطة بجانبين أو ولنقل حلين، أحدهما آني والآخر استراتيجي. الأول يرتبط بمسألة الإعداد، وما أعنيه هنا هو ضرورة وجود برنامج إعداد متكامل يشمل التعرف على ثقافة وحضارة وقيم بلد الابتعاث، حتى لو استغرق هذا البرنامج فصلا دراسيا كاملا. وهنا تبرز للعيان تجربة «أرامكو» حيث يتم إعداد المبتعث ليس فقط لغويا بل يدرس كتابا كاملا حول حضارة وثقافة بلد الابتعاث وتحين له الفرصة بمقارنة عاداته وطباعه مع المجتمع الآخر. هذا بالإضافة إلى المتابعة اللصيقة وتطلب الجدية التي تشترط حدودا دنيا لعلامات الطالب، يحرم من البعثة في حالة عدم تحقيقها. وأقترح على وزارة التعليم العالي أن تستفيد من هذا البرنامج حيث الفوارق الواضحة بين طلبتنا في الجهتين. ولا يجب أن يلام الطلاب هنا إن لم يحضوا بإعداد مناسب. الثاني يرتبط بالجذر الأساسي الذي أوجد مخرجات تعليمية وطرق تفكير معتلة بهذا المستوى غير المشرف وهو النظام التربوي والتعليمي الذي شوه طرق التفكير والقيم لدى أبنائنا وهذا ما تطرقنا إليه ولا زلنا كثيرا فمتى يرى هذا التغيير المأمول النور ليكون أبناؤنا مثار فخرنا واعتزازنا ومنجزنا الحضاري أينما كانوا؟