جرح الكبريـاء
(8)
في اتصال عابر لبيت نور اتّصلت إحداهنّ : " السلام عليكم .. ممكن أكلّم أم نور " ، وفعلاً تم تحويل المكالمة إلى أمّ نور : " السلام عليكم .. مين معي ؟" المتصلة : " معكِ أم نواف .. كيف حالك أم نور .. عساكِ طيبة " .. "أهلين أم نواف .. استأنست مرة بسماع صوتك .. الحمد لله .. كلنا بخيرونعمة .. أنت شلونك والعيال ؟ "
أم نواف : والله كلنا بخير ونعمة من رب العالمين.. الله لا يغيّر علينا.. صحة وأمن وكل شيء تمام..
أم نور: من زمان ما شفناكم .. العادة نشوفكم ، لكنالأيام الماضية فقدتك مرة !!
أم نواف: والله يا أم نور عندي موضوع وودي أكلمك عنه.. ممكن أزورك بكرة الضحى ؟
أم نور: بخصوص إيش يا أم نواف؟
أم نواف:لاتخافي .. ترى ما عندي شيء يخوّف .. بالعكس شيء يونّس مرة.
أم نور: حيّاك الله بكرة .. البيت بيتك.. أجل أنا بكرة منتظرتك على الساعة 10،ممتاز الوقت؟
أم نواف: جداً ممتاز.. أجل بكرة أزورك إن شاء الله ، مشكورة أم نور وما قصرتِ .. نشوفك بكرة.. تأمريني بشيء؟
أمنور: سلامتك وطولة عمرك ..
أم نواف: أجل مع السلامة..
أم نور: مع السلامة.
تساءلت أم نور مع نفسها عن شأن هذه الزيارة ، إنه نفس الناموس الذي يأتي لخطبة أيّ فتاة ، بالإضافة إلى أن أم نواف لا تتصل عندما تريد أن تأتي إلا لشيء مهم جداً ، إن المكالمة بحدّ ذاتها ترفع تباشير الفرح والحبور ، فـ.. نور فتاة تنتظر نصيبها الذي تأخر قليلاً ، وكعادة الأمهات في كتم الأسرار انطلقت وأخبرت نورعن زيارة الغد وأنّها لا بد أن تتجمّل لتحظى بفارس أحلامها ، عادةالفتيات في تلك اللحظة أن يتثاقلنّ وكأنّ هناك ألف طارق على باب خطبتهنّ، إلا أن الأبواق في قلوبهنّ تكاد ترقص جذلاً، في تلك اللّيلة نامت نور على يقظتها وطفقت تتأمل نفسها بالمرآة وتقول: " أين أنت يا غريب.. لقد تأخرت كثيراً، ألا تسرع فأنا في انتظارك من شهور " .
مرّت اللحظات سريعاً حتى دَلَفت أم نواف إلى البيت، فاستقبلتها أم نور بحفاوة ذات طابع احتفالي، تناقشا قليلاً عن شؤون الأسرة وأوضاع العالم الدولي وسياسات الدول، كعادة الأمهات، يتحدّثن بالشؤون السياسية وكأن مجلس الأمم المتحدة يسمع لهنّ، أو يتحدّثن عن الجيران بصيغة ليس فيها أيّ غيبة ، أجمل ما في حديث الضحى أنّه يثري جلسة الغداء الأسرية بالحديث عن كل شيء !!، قليلاً ودخلت نور بكبرياء جمالها وثقافتها وهدوئها مُقدّمة لأم نواف وأمها حق الضيافة، ذهلت أم نور من ابنتها في كيفية التّزيّن، يحببن الأمهات أن يرين بناتهنّ بهيئة جمالية خلاّقة.
تفاجأ يزيد من سرعة جواهر في تقرير مصيرها، إنها لم تعرفه حقّ المعرفة، بل لا تعرف عنه سوى أمور بسيطة، هكذا الفتيات والفتيان يُسحرون سريعاً إذا تسلل روح الحب إلى قلوبهم، حاول يزيد أن يتسّرب قليلاً باتجاه موضوع آخر بشؤون الدراسة والاهتمامات، سألها يزيد بماذا تفضي أوقات فراغها؟ لا يوجد قالب تجيب به إلا أنها تقرأ وتخرج للتسوق، سألته وبماذا تقضي وقت فراغك ؟ توجد أجوبة عديدة عند الشباب ومن بينها لعب كرة القدم والتنزّه مع الأصحاب، أحياناً تخرج جواهر مع وصيفاتها بشكل قليل لأنهنّ من مشارب مختلفة وكلّ واحدة معلّق قلبها بحب شاب.
إذا أضحت الأجساد مفرّغة من القلوب يكون حديث المجلس عبارة عن صمت، جلسا مايقارب الساعة فتعرّف كل واحد عن الآخر عن آخر أربعين سنة، عشرون سنة من عمرهما مضافة إلى حياة والديهما، بل ربما آخر خمسين سنة لمعرفة الأجداد كذلك.
"هذه المنجزات الهائلة التي ستسميها أجيالالبشرية بعجائب الدنيا ، هل لا بد لها من مثل ذلك الظلم وتلك القسوة لتحقيقها؟! ... جبرا إبراهيم جبرا" هذه إحدى العبارات التي وردت في كتاب نور "أحاديث الشتاء"، المجتمع الثقافي تداول روايتها عبر الإيميلات بصورة غير شرعيّة لإيقاف من تسوّل له نفسه بالإعجاب ، تشنّج يغطّي الساحة الأدبية المحليّة وردود تفتقد النباهة العلميّة والبحث المنطقي والنزاهة كذلك ، فوضى وشتات لأن الساحة لم يكن فيها مايثيرها أصلاً، وفي المقابل تجلس نور أمام أم نواف بهدوء معرفي، بعد الأحاديث الطويلة ، قالت أم نوّاف : صراحة يا أم نور.. أنا جيت أخطب بنتك جواهر لولدي نوّاف.. أنا شايفة جواهر بعرس من قبل وسألت عنها والكلّ مدحها لي ..
آآآآه ... لحظة حزن حقيقية انتشرت في هواء الغرفة ، استغربت أم نواف من قسمات من أمامها ، خصوصاً أن الأمر يفترض أن يكون مفرحاً جداً ، خرجت نور بخفّة تحمل معها أعباء الحزن والأحلام المبدّدة، تداركت أم نور ونفخت في هواء الغرفة عطر الابتسامة التي تخفي ألماً ،
قالت أم نور: يشرّفنا يا أم نواف أنكم تأخذون منّا.. لكن.. لكن بنتنا نور هي أكبر ؛فحنّا ودّنا نزوّجها أول، وجواهر بعدها تدرس وإن شاء الله بيجيها نصيبها.
قالت أم نواف : طيب هذا هو.. جاها نصيبها الحين.. وليش لازم تزوجون الكبيرة أوّل، الله كاتب لكل واحدة نصيب ، وما فيها أيّشيء يا أم نور، ليش تنظلم الصغيرة، يا أم نور.. ترى والله ما فيها شيء أبد أن البنت الصغيرة تتزوّج قبل الكبيرة، بالعكس، المفروض نور تستأنس وتساعد أختها وكلّ واحدةلها وقتها ونصيبها ..
ردّت أم نور : خير إن شاءالله.. خلّينا نفكّر وما راح يكتب الله إلاّ الخير، بس والله ودّي أن بنيتي نور تتزوج لأنها كاسرة خاطري مرّة
أم نواف : والله يا أم نور إني أحب نور مثل ما أحب جواهر، وولدي نواف يبي واحدة ما هي مثقفة تردّ عليه وخبرك .. المثقفات يبيلهم واحد مثلهم يتناقش ويّاها ومن هالسوالف ، حنّا يا أم نور شارين بنتكم وراح نستنانس مرة إذا وافقتوا ، أنتِ استخيري وشاوري البنات وردّي عليّ، يلاّ أنا استأذن الحين .. اسمحي لي لأن السواق لازم يروح يجيب العيال بعد شوي منالمدارس ، أنا أنتظر اتصالك ..
أم نور : نورتينا ياأم نواف وإن شاء الله ما يصير إلا الخير ..
" يلا مع السلامة " ..
" مع السلامة.. حافظك الله " .
أم نور : " بنيّتي نور .. نور .. وينك حبيبة قلبي ؟!! " .... يتبع لاحقاً*