ما لهذا ابتعثنا

May 11th, 2010, 06:43 AM

ما لهذا ابتعثنا
"كنت أحمل هَمَّ أمتى (اليابان) وكان هدفي هو صناعة المحرك الذي هو سبب تطور أوروبا، أردت أن أصنعه وأنقل تلك التقنية إلى اليابان ، عانيت الكثير حتى أنَّي كنت لا أنام إلا القليل وآكل وجبةً واحدةً في اليوم , كنت أنفق من راتبي ، وأحيانا أنفقه كلَّه لأشتري أجزاءَ المحرِّك ، ولم يهدأ لي بال حتى وصلت إلى هدفي ، وهو نقل قوة أوربا إلى اليابان ونقل اليابان إلى الغرب." هذه العبارات ليست لعالم في مختبراته ، ولا لفريق عملٍ في معامل تحضيره، وإنَّما هي لطالب في غربته بعيدًا عن أهله ، هذه العبارات قالها الطالب الياباني أوساهير الذي بعثته حكومته للدر اسة في ألمانيا في جامعة هامبورج. هكذا كان أوساهير وهكذا كانت همته، هكذا حمل هَمَّ بلده عَمِلَ من أجل بلده تحمَّل كل شيئ من أجل اليابان ، وكان يرى أن اليابان تستحق كل هذا الجهد بل وأكثر.
لقد بعثت المملكة العربية السعودية آلاف المبتعثين والمتبعثات ، ولم تبخل عليهم بأيِّ شىءٍ ، بل إنَّ المبتعث السعودي - ولله الحمد- يتميز بمميزات لم ينلها أقرانه من الدول الاخرى، وما كان "أوساهير" يحلم بها ، كل هذا من أجل أن يرجع المبتعث ويطور بلده (السعودية).
وأنا على يقين أنَّ كثيرًا منهم يحمل الهَمَّ الذي يحمله أوساهير ، فمنهم من دَأَبَ على هذا الطريق واجتهد وأعطى أجملَ صورة لدينه وبلده وشخصيته ، ورسم هدفه الذي جاء من أجله وسلك له أخصر طريق ، فكان خير سفير وخير مبتعث. ومنهم للأسف – وهم قلة إن شاء الله – من قلبها سياحة وتجربة لكل جديد يراه في طريقه دون التفكير في نفعه أو ضرره ، وفي موافقته لمبادئ دينه أو المهمة التي أرسله بلده لتحقيقها ، وأصبح يتنازل عن مبادئه وهويته الدينية والوطنية حتى ضيعها كلها ، وأصبح رهينة بين الشهوات تقذفه يمينًا وشمالاً ، بل يغدو أضحوكةً بين المبتعثين من مختلف الدول حين يصل به التنازل حتى في شكله الخارجي عمَّا عهده في دينه وثقافته ووطنه ، وأصبح مظهره الخارجي لوحة رسام فمرة بالشعر المصبوغ صفرة ، ومرة بالمضفور على هيئة غريبة ومرة يرفعه من هذه الجهة وينزله الأخرى ، ومرة يضغ سلسلة في يده أو حول عنقه ، أو يلبس بنطاله على طريقة غربية حتى تجاوز ناقصي العقول من أهل البلد الذي هو ابتعث لها فأصبحت نظرته دونية وهمته قاصرة محدودة ، ولو كانت هذه الأمور تعينه على تحقيق هدفه لكانت من الوجاهة بمكانٍ لكنَّها على العكس من ذلك.
فأقول لهؤلاء: مالهذا ابتعثتم لقد أعطتكم دولتكم الكثير ، وهي تنتظر منكم الكثير، راهنت عليكم فلا تخيبوا أملها فيكم ، تتمنى أن ترجعوا بِعُشْرِ هَمِّ أوساهير الياباني – وأنتم قادرون على أكثر- تنتظر منكم ذلك العلم الذي أبتعثتم من أجله ، تنتظر ذلك التطوير الذي أنتم تريدون بناءه. بلدكم (السعودية) أمٌّ أعطت عصارة جهدها لفلذات كبدها ، وتنتظر ألا يخيبوا رجاءها فيهم ، فهل يا تراهم يفعلوا؟
أخي الحبيب أخي المبتعث إنكم وكِّلتم على أمانة عظيمه وأنتم مسؤولون عنها يوم القيامة أُوْكِلْتُم على نقل العلم والمعرفة والتطوُّر إلى بلدكم ، أُوْكِلْتُم على أخذِ خلاصة العلم والحضارة.
إنَّ كل حضارة تحمل في طياتها الطيب وغيره ، والجميل وغيره ، وأداة التفوق وبالوقت نفسه أداة التخلف والانهزام ، وإنَّما تتفوق الأمم على نفسها بإبراز وإظهار عوامل القوة والتقدُّم والعمل على تطويرها ، وإخفاء عوامل الضعف والعمل على تقليلها ، وهي في الوقت ذاته تعمل على تصدير عناصر الضعف والاحتفاظ بعناصر التفوق.
لقد عرف "أوساهير" عنصر التفوق في حضارة أوروبا وسبب تقدمها فلننظر إلى قوله السابق وهو يصف المحرك الذي بذل جهده لنقل تقنيته:" وكان هدفي هو صناعة المحرك الذي هو سبب تطور أوروبا".
فما الذي سيجلبه كل واحدٍ منَّا إلى بلده الذي أحسن إليه وبعثه وعقد عليه آماله؟ الجواب عندك وعندك وحدك.
أقول: نعم أنت تستطيع أكثر مما عمل "أوساهير" عندما تحكم عقلك ، عندما تتوكل على ربك ، عندما تلجأ إلى الله في الشدة والفرح ، وعندها يرجع كل مبتعث وقد أدَّى الأمانة ورجع بعلم ينتفع به ويكون صدقة له بعد مماته.
والله من وراء القصد ووفق الله الجميع.

د/بشير بن رمضان العنزي
تورنتو - كندا
جراحة عظام - مفاصل صناعية

• نشر عبر تويتر
• نشر عبر فيسبوك
• نشر عبر جوجل